للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(٩) بَاب الْمَيِّتِ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ.

١٦ - (٩٢٧) حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. جَمِيعًا عَنْ ابن بشير. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؛

أَنَّ حَفْصَةَ بَكَتْ عَلَى عُمَرَ. فَقَالَ: مَهْلًا يَا بُنَيَّةُ! أَلَمْ تَعْلَمِي أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أهله عليه؟ ".


(إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) وفي رواية: ببعض بكاءأهله عليه. وفي رواية: ببكاء الحي. وفي رواية: يعذب في قبره بما نيح عليه. وفي رواية من يبك عليه يعذب. قال إمام النووى: وهذه الروايات من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما. وأنكرت عائشة. ونسبتهما إلى النسيان والاشتباه عليهما. وأنكرت أن يكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك. واحتجت بقوله تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى. قالت: وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم في يهودية: إنها تعذب وهم يبكون عليها. يعني تعذب بكفرها في حال بكاء أهلها. لا بسبب البكاء. واختلف العلماء في هذه الأحاديث. فتأولها الجمهور على من وصى بأن يبكى عله ويناح بعد موته فنفذت وصيته. فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم. لأنه بسبه ومنسوب إليه. قالوا: فأما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه، فلا يعذب. لقول الله تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى. قالوا: وكان من عادة العرب الوصية بذلك. ومنه قول طرفة بن العبد:
إذا مت فانعينى بما أنا أهله * وشقي على الحبيب يا ابنة معبد
قالوا: فخرج الحديث مطلقا، حملا على ما كان معتادا لهم. وقالت طائفة: هو محمول على من أوصى بالبكاء والنوح، أولم يوص يتركهما. فمن أوص بهما أوأهمل الوصية بتركهما، يعذب بهما لتفريطه بإهمال الوصية بتركهما. فأما من وصى بتركهما فلا يعذب بهما، إذا لا صنع له فيهما، ولا تفريط منه. وحاصل هذا القول إيجاب الوصية بتركهما، ومن أهملها عذب بهما.
وقالت طائفة: معنى الأحاديث أنهم كانوا ينوحون على الميت ويندبونه بتعديد شمائله ومحاسنه، في زعمه. وتلك الشمائل قبائح في الشرع يعذب بها. كما كانوا يقولون: يامرمل النسوان! ومخرب العمران! ومفرق الأخدان! ونحو ذلك مما يرونه شجاعة وفخرا، وهو حرام شرعا.
وقالت طائفة: معناه أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم. وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره. وقال القاضي عياض: وهو أولى الأقوال. واحتجوا بحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر امرأة عن البكاء على أبيها. وقال: إن أحدكم إذا بكى استعبرله صويحبه. فيا عباد الله! لاتعذبوا إخوانكم. وقالت عائشة رضي الله عنها: معنى الحديث أن الكافر أو غيره من أصحاب الذنوب يعذب، في حال بكاء أهله عليه، بذنبه، لا ببكائهم. والصحيح من هذه الأقوال ما قدمناه عن الجمهور. وأجمعوا، على اختلاف مذاهبهم، على أن المراد بالبكاء، هنا، البكاء بصوت ونياحة، لامجرد دمع العين.

<<  <  ج: ص:  >  >>