إذا مت فانعينى بما أنا أهله * وشقي على الحبيب يا ابنة معبد قالوا: فخرج الحديث مطلقا، حملا على ما كان معتادا لهم. وقالت طائفة: هو محمول على من أوصى بالبكاء والنوح، أولم يوص يتركهما. فمن أوص بهما أوأهمل الوصية بتركهما، يعذب بهما لتفريطه بإهمال الوصية بتركهما. فأما من وصى بتركهما فلا يعذب بهما، إذا لا صنع له فيهما، ولا تفريط منه. وحاصل هذا القول إيجاب الوصية بتركهما، ومن أهملها عذب بهما. وقالت طائفة: معنى الأحاديث أنهم كانوا ينوحون على الميت ويندبونه بتعديد شمائله ومحاسنه، في زعمه. وتلك الشمائل قبائح في الشرع يعذب بها. كما كانوا يقولون: يامرمل النسوان! ومخرب العمران! ومفرق الأخدان! ونحو ذلك مما يرونه شجاعة وفخرا، وهو حرام شرعا. وقالت طائفة: معناه أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم. وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره. وقال القاضي عياض: وهو أولى الأقوال. واحتجوا بحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر امرأة عن البكاء على أبيها. وقال: إن أحدكم إذا بكى استعبرله صويحبه. فيا عباد الله! لاتعذبوا إخوانكم. وقالت عائشة رضي الله عنها: معنى الحديث أن الكافر أو غيره من أصحاب الذنوب يعذب، في حال بكاء أهله عليه، بذنبه، لا ببكائهم. والصحيح من هذه الأقوال ما قدمناه عن الجمهور. وأجمعوا، على اختلاف مذاهبهم، على أن المراد بالبكاء، هنا، البكاء بصوت ونياحة، لامجرد دمع العين.