للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[١٠ - باب في حديث الإفك، وقبول توبة القاذف]

٥٦ - (٢٧٧٠) حدثنا حبان بن موسى. أخبرنا عبد الله بن المبارك. أخبرنا يونس بن يزيد الأيلي. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حميد. (قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حدثنا. وقال الآخران: أخبرنا) عبد الرزاق. أخبرنا معمر. والسياق حديث معمر من رواية عبد وابن رافع. قال يونس ومعمر. جميعا عن الزهري: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وعلقمة بن وقاص وعبيد اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مسعود عن حديث عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا. فبرأها الله مما قالوا. وكلهم حدثني طائفة من حديثها. وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض. وأثبت اقتصاصا. وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني. وبعض حديثهم يصدق

⦗٢١٣٠⦘

بعضا. ذكروا؛ أن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَتْ:

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيتهن خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج سهمي. فخرجت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وذلك بعدما أنزل الحجاب. فأنا أحمل هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتى إذا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل. فقمت حين آذنوا بالرحيل. فمشيت حتى جاوزت الجيش. فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل. فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي. فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب. وهم يحسبون أني فيه. قالت: وكانت النساء إذ ذاك خفافا. لم يهبلن ولم يغشهن اللحم. إنما يأكلن العلقة من الطعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه. وكنت جارية حديثة السن. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيممت منزلي الذي كنت فيه. وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي. فبينا أنا جالسة

⦗٢١٣١⦘

في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطل السلمي، ثم الذكواني، قد عرس من وراء الجيش فادلج. فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم. فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني. فخمرت وجهي بجلبابي. ووالله! ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. حتى أناخ راحلته. فوطئ على يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الراحلة. حتى أتينا الجيش. بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة. فهلك من هلك في شأني. وكان الذي تولى كبره. عبد الله بن أبي بن سلول.

فقدمنا المدينة. فاشتكيت، حين قدمنا المدينة، شهرا. والناس يفيضون في قول أهل الإفك. ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول "كيف تيكم؟ " فذاك يريبني.

⦗٢١٣٢⦘

ولا أشعر بالشر. حتى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع. وهو متبرزنا. ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل. وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه. وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأم مسطح، وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف. وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق. وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي. حين فرغنا من شأننا. فعثرت أم مسطح في مرطها. فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبين رجلا قد شهد بدرا. قالت: أي هنتاه! أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت، فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا إلى مرضي. فلما رجعت إلى بيتي، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. فسلم ثم قال "كيف تيكم؟ " قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت، وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه! ما يتحدث الناس؟

⦗٢١٣٣⦘

فقالت: يا بنية! هوني عليك. فوالله! لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر، إلا كثرن عليها. قالت قلت: سبحان الله! وقد تحدث الناس بهذا.

قالت، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي. وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي. يستشيرهما في فراق أهله. قالت فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود. فقال: يا رسول الله! هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا. وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله عليك. والنساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بريرة فقال "أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ " قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق! إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها، أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله. قَالَتْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر. فاستعذر من عبد الله بن أبي، ابن سلول. قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهو على المنبر "يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل

⦗٢١٣٤⦘

بيتي. فوالله! ما علمت على أهلي إلا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلا معي" فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله! إن كان في الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان رجلا صالحا. ولكن اجتهلته الحمية. فقال لسعد بن معاذ: كذبت. لعمر الله! لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله! لنقتلنه. فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيان الأوس والخزرج. حتى هموا أن يقتتلوا. وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ على المنبر. فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت.

قالت وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم بكيت ليلتي المقبلة. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي.

⦗٢١٣٥⦘

فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت فبينا نحن على ذلك دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فسلم ثم جلس. قالت ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال "أما بعد. يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرئك الله. وإن كنت ألممت بذنب. فاستغفري الله وتوبي إليه. فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب الله عليه" قالت فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عني رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قال. فقال: والله! ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: والله! ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقلت، وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إني، والله! لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به. فإن قلت لكم إني بريئة، والله يعلم أني بريئة، لا تصدقوني بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني بريئة، لتصدقونني. وإني، والله! ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.

قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي. قالت وأنا، والله! حينئذ أعلم أني بريئة. وأن الله مبرئي ببراءتي. ولكن، والله! ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل في بأمر يتلى. ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها.

قالت: فوالله! ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي. حتى إنه

⦗٢١٣٦⦘

ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، في اليوم الشات، من ثقل القول الذي أنزل عليه. قالت، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال "أبشري. يا عائشة! أما الله فقد برأك "فقالت لي أمي: قومي إليه. فقلت: والله! لا أقوم إليه. ولا أحمد إلا الله. هو الذي أنزل براءتي. قالت فأنزل الله عز وجل: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} [٢٤ /النور /١١] عشر آيات. فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات براءتي. قالت فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله! لا أنفق عليه شيئا أبدا. بعد الذي قال لعائشة. فأنزل الله عز وجل: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى} [٢٤ /النور /٢٢] إلى قوله: {ألا تحبون أن يغفر الله لكم}.

قال حبان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله.

فقال أبو بكر: والله! إني لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه. وقال: لا أنزعها منه أبدا.

قالت عائشة: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عن أمري "ما علمت؟ أو ما رأيت؟ " فقالت: يا رسول الله! أحمي سمعي وبصري. والله! ما علمت إلا خيرا.

قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فعصمها الله بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت حجش تحارب لها. فهلكت فيمن هلك.

⦗٢١٣٧⦘

قال الزهري: فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط.

وقال في حديث يونس: احتملته الحمية.


(وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصا) أي أحفظ وأحسن إيرادا وسردا للحديث. (آذن ليلة بالرحيل) روي بالمد وتخفيف الذال، وبالقصر وتشديدها، أي أعلم. (عقدي من جزع ظفار) العقد نحو القلادة. والجزع خرز يماني. وظفار، مبنية على الكسر. تقول: هذه ظفار ودخلت ظفار وإلى ظفار، بكسر الراء بلا تنوين في الأحوال كلها. وهي قرية باليمن. (الرهط) هم جماعة دون العشرة. (يرحلون لي) هكذا وقع في أكثر النسخ: يرحلون لي، باللام. وفي بعض النسخ: بي، بالباء. واللام أجود. ويرحلون أي يجعلون الرحل على البعير، وهو معنى قولها فرحلوه. (هودجي) الهودج مركب من مراكب النساء. (لم يهبلن) ضبطوه على أوجه: أشهرها ضم الياء وفتح الهاء والباء المشددة، أي يثقلن باللحم والشحم. قال أهل اللغة: يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه. (العلقة) أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة. (فتيممت منزلي) أي قصدته. (قد عرس) التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة. وقال أبو زيد: هو النزول أي وقت كان. والمشهور الأول. (فادلج) الادلاج هو السير آخر الليل. (فرأى سواد إنسان) أي شخصه. (فاستيقظت باسترجاعه) أي انتبهت من نومي بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون. (فخمرت وجهي) أي غطيته. (موغرين في نحر الظهيرة) الموغر النازل في وقت الوغرة، وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر. (تولى كبره) أي معظمه. (يفيضون في قول أهل الإفك) أي يخوضون فيه. والإفك، بكسر الهمزة وإسكان الفاء، هذا هو المشهور. وحكى القاضي فتحهما جميعا. قال: هما لغتان كنجس ونجس، وهو الكذب. (يريبني) بفتح أوله وضمه، يقال: رابه وأرابه، إذا أوهمه وشككه. (اللطف) بضم اللام وإسكان الطاء، ويقال بفتحهما معا، لغتان. وهو البر والرفق. (كيف تيكم) هي إشارة إلى المؤنثة، كذلكم. في المذكر. (نقهت) بفتح القاف وكسرها، لغتان. حكاهما الجوهري في الصحاح، وغيره. والفتح أشهر. واقتصر عليه جماعة. يقال: نقه ينقه نقوها فهو ناقه، ككلح يكلح كلوحا فهو كالح. ونقه ينقه نقها فهو ناقه كفرح يفرح فرحا. والجمع نقه. والناقه هو الذي أفاق من المرض وبرأ منه، وهو قريب عهد به، لم يتراجع إليه كمال صحته. (المناصع) هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها. (الكنف) هي جمع كنيف. قال أهل اللغة: الكنيف الساتر مطلقا. (الأول) ضبطوا الأول بوجهين. أحدهما ضم الهمزة وتخفيف الواو. والثاني: الأول، بفتح الهمزة وتشديد الواو. وكلاهما صحيح.
(التنزه) هو طلب النزاهة بالخروج إلى الصحراء. (في مرطها) المرط كساء من صوف. وقد يكون من غيره. (تعس) بفتح العين وكسرها، لغتان مشهورتان. واقتصر الجوهري على الفتح، والقاضي على الكسر. ورجح بعضهم الكسر، وبعضهم الفتح. ومعناه عثر. وقيل: هلك. وقيل: لزمه الشر. وقيل: بعد. وقيل: سقط بوجهه خاصة. (أي هنناه) قال صاحب نهاية الغريب: وتضم الهاء الأخيرة وتسكن. ويقال في التثنية: هنتان. وفي الجمع: هنات وهنوات. وفي المذكر: هن وهنان وهنون. ولك أن تلحقها الهاء لبيان الحركة. تقول ياهنة. وأن تشبع حركة النون فتصير ألفا فتقول: يا هناه ولك ضم الهاء فتقول يا هناه أقبل. قالوا وهذه اللفظة تختص بالنداء، ومعناه يا هذه. وقيل: يا امرأة. وقيل: يا بلهاء، كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرورهم. (وضيئة) هي الجميلة الحسنة. والوضاءة الحسن. (ضرائر) جمع ضرة. وزوجات الرجل ضرائر. لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى، بالغيرة والقسم وغيره. والاسم منه الضر، بكسر الضاد، وحكى ضمها. (كثرن عليها) أي أكثرن القول في عيبها ونقصها. (لا يرقأ) أي لا ينقطع. (ولا أكتحل بنوم) أي لا أنام. (استلبث الوحي) أي أبطأ ولبث ولم ينزل. (أغمصه) أي أعيبها به. (الداجن) الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين. (استعذر) معناه أنه قال: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، كما بينه في هذا الحديث. ومعنى من يعذرني: من يقوم بعذري إن كافأته على قبيح فعاله ولا يلمني. وقيل معناه من ينصرني. والعذير الناصر. (أنا أعذرك منه) قال القاضي عياض: هذا مشكل لم يتكلم فيه أحد. وهو قولها: فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أعذرك منه. وكانت هذه القصة في غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق، سنة ست. فيما ذكره ابن إسحاق. ومعلوم أن سعد بن معاذ مات إثر غزوة الخندق، من الرمية التي أصابته، وذلك سنة أربع بإجماع أصحاب السير، إلا شيئا قاله الواقدي وحده. قال القاضي: قال بعض شيوخنا: ذكر سعد بن معاذ، في هذا، وهم. والأشبه أنه غيره. ولهذا لم يذكره ابن إسحاق في السير. وإنما قال: إن المتكلم أولا وآخرا أسيد بن حضير. قال القاضي: وقد ذكر موسى بن عقبة أن غزوة المريسيع كانت سنة أربع، وهي سنة الخندق. وقد ذكر البخاري اختلاف ابن إسحاق وابن عقبة. قال القاضي: فيحتمل أن غزوة المريسيع وحديث الإفك كانا في سنة أربع قبل قصة الخندق. قال القاضي: وقد ذكر الطبري عن الواقدي أن المريسيع كانت سنة خمس. قال وكانت الخندق وقريظة بعدها. وذكر القاضي إسماعيل الخلاف في ذلك. وقال: الأولى أن يكون المريسيع قبل الخندق. قال القاضي: وهذا لذكر سعد في قصة الإفك، وكانت في المريسيع. فعلى هذا يستقيم فيه ذكر سعد بن معاذ، وهو الذي في الصحيحين. وقول غير ابن إسحاق، في غير وقت المريسيع، أصح. هذا كلام القاضي، وهو صحيح.
(اجتهلته الحمية) هكذا هو هنا لمعظم رواة صحيح مسلم. اجتهلته، بالجيم والهاء، أي أخفته وأغضبته وحملته على الجهل. (فثار الحيان الأوس والخزرج) أي تناهضوا للنزاع والعصبية. (وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله) معناه إن كنت فعلت ذنبا، وليس ذلك لك بعادة، وهذا أصل اللمم. (قلص دمعي) أي ارتفع لاستعظام ما يعيبني من الكلام. (ما رام) أي ما فارق. (البرحاء) هي الشدة. (ليتحدر) أي ليتصبب. (الجمان) الدر. شبهت قطرات عرقه صلى الله عليه وسلم بحبات اللؤلؤ، في الصفاء والحسن. (فلما سري) أي كشف وأزيل. (ولا يأتل أولو الفضل) أي لا يحلفوا. والألية اليمين. (أحمي سمعي وبصري) أي أصون سمعي وبصري من أن أقول سمعت ولم أسمع، وأبصرت ولم أبصر. (وهي التي كانت تساميني) أي تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلى الله عليه وسلم. وهي مفاعلة من السمو، وهو الارتفاع. (وطفقت أختها تحارب لها) أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك. (احتملته الحمية) معناه: أغضبته.

<<  <  ج: ص:  >  >>