للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٦ - بَاب مِنْ فَضَائِلِ الْخَضِرِ، عَلَيْهِ السَّلَام

١٧٠ - (٢٣٨٠) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ (وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي عُمَرَ). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ:

إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ، عَلَيْهِ السَّلَام. فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ. سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " قَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ. قَالَ فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ! كَيْفَ

⦗١٨٤٨⦘

لِي بِهِ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ. فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ. فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ. وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ. فَحَمَلَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، حُوتًا فِي مِكْتَلٍ. وَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يَمْشِيَانِ حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ. فَرَقَدَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، وَفَتَاهُ. فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ، حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمِكْتَلِ، فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ. قَالَ وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ. فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا. وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا. فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا. وَنَسِيَ صَاحِبُ مُوسَى أَنْ يُخْبِرَهُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا. قَالَ وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا. قال موسى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا. قَالَ يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا. حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى. فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟

⦗١٨٤٩⦘

قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ. وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ. قَالَ لَهُ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا؟ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا. قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا. قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: فَإِنِ اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا. قَالَ: نَعَمْ. فَانْطَلَقَ الْخَضِرُ وَمُوسَى يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ. فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ. فَكَلَّمَاهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا. فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ. فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا. لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا. قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني مِنْ أَمْرِي عُسْرًا. ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ. فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ. فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ، فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ، فَقَتَلَهُ. فَقَالَ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا. قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ: وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى. قَالَ: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني. قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا. فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا. فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ. يَقُولُ مَائِلٌ. قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ هَكَذَا

⦗١٨٥٠⦘

فَأَقَامَهُ. قَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا، لَوْ شِئْتَ لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ. سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى. لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا". قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم "كانت الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا". قَالَ "وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ. ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ. فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ".

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَكَانَ يَقْرَأُ: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا. وَكَانَ يقرأ: وأما الغلام فكان كافرا.


(كذب عدو الله) قال العلماء: هو على وجه الإغلاظ والزجر عن مثل قوله. لا أنه يعتقد أنه عدو الله حقيقة. إنما قاله مبالغة في إنكار قوله، لمخالفته قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان ذلك في حال غضب ابن عباس. لشدة إنكاره. وحال الغضب تطلق الألفاظ ولا تراد بها حقائقها. (بمجمع البحرين) قال القسطلاني: أي ملتقى بحري فارس والروم من جهة الشرق. أو بإفريقية أو طنجة. (حوتا) الحوت السمكة. وكانت سمكة مالحة، كما صرح به في الرواية الثانية. (مكتل) هو القفة والزنبيل. (تفقد) أي يذهب منك. يقال فقده وافتقده. (فهو ثم) أي هناك. (فتاه) أي صاحبه. (الطاق) عقد البناء. وجمعه طيقان وأطواق. وهو الأزج وما عقد أعلاه من البناء، وبقي ما تحته خاليا. (وليلتهما) ضبطوه بنصب ليلتهما وجرها. (نصبا) النصب التعب. (واتخذ سبيله في البحر عجبا) قيل: إن لفظة عجبا يجوز أن تكون من تمام كلام يوشع وقيل: من كلام موسى. أي قال موسى: عجبت من هذا عجبا. وقيل: من كلام الله تعالى. ومعناه اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا. (نبغي) أي نطلب. معناه أن الذي جئنا نطلبه هو الموضع الذي نفقد فيه الحوت. (مسجى) أي مغطى. (أنى بأرضك السلام) أي من أين السلام في هذه الأرض التي لا يعرف فيها السلام. قال العلماء: أنى تأتي بمعنى أين ومتى وحيث وكيف. (بغير نول) أي بغير أجر. والنول والنوال العطاء. (إمرا) أي عظيما. (ولا ترهقني من أمري عسرا) قال الإمام الزمخشري: يقال رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه. أي ولا تغشني عسرا من أمري. وهو اتباعه إياه. يعني ولا تعسر علي متابعتك ويسرها علي بالإغضاء وترك المناقشة. (زاكية) قرئ في السبع زاكية وزكية. قالوا: ومعناه طاهرة من الذنوب. (بغير نفس) أي بغير قصاص لك عليها. (نكرا) النكر هو المنكر. (لقد بلغت من لدني عذرا) معناه قد بلغت إلى الغاية التي تعذر بسببها في فراقي. (فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض) هذا من المجاز. لأن الجدار لا يكون له حقيقة إرادة. ومعناه قرب من الانقضاض، وهو السقوط. (قال الخضر بيده هكذا) أي أشار بيده فأقامه. وهذا تعبير عن الفعل بالقول. وهو شايع. (ما نقص علمي وعلمك) قال العلماء: لفظ النقص هنا ليس على ظاهره. وإنما معناه أن علمي وعلمك بالنسبة إلى علم الله تعالى كنسبة ما نقره هذا العصفور إلى ماء البحر. وهذا على التقريب إلى الأفهام. وإلا فنسبة علمهما أقل وأحقر.

<<  <  ج: ص:  >  >>