للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٠ - بَاب أَخْذِ الْحَلَالِ وَتَرْكِ الشُّبُهَاتِ.

١٠٧ - (١٥٩٩) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الهمداني. حدثنا أَبِي. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ) (إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ

⦗١٢٢٠⦘

النَّاسِ. فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ. وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ. كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى. يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ. أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى. أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ. أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. ألا وهي القلب).


(وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه) أي مدهما إليهما ليأخذهما. إشارة إلى استيقانه بالسمع.
(إن الحلال بين والحرام بين) أجمع العلماء على عظم موقع هذا الحديث وكثرة فوائده. وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام.
قال جماعة: هو ثلث الإسلام. وإن الإسلام يدور عليه وعلى حديث: الأعمال بالنية، وحديث: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
وقال أبو داود السجستاني: يدور على أربعة أحاديث: هذه الثلاثة وحديث: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وقيل: حديث: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس.
قال العلماء: وسبب عظم موقعه أنه، صلى الله عليه وسلم، نبه فيه على إصلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرها. وأنه ينبغي أن يكون حلالا. وأرشد إلى معرفة الحلال. وأنه ينبغي ترك المشتبهات. فإنه سبب لحماية دينه وعرضه. وحذر من مواقعة الشبهات، وأوضح ذلك بضرب المثل بالحمى. ثم بين أهم الأمور، وهو مراعاة القلب.
فقال صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة الخ). فبين، صلى الله عليه وسلم، أن بصلاح القلب يصلح باقي الجسد، وبفساده يفسد باقيه.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (الحلال بين والحرام بين). فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام: حلال بين واضح لا يخفى حله. كالخبز والفواكة والزيت والعسل والسمن ولبن مأكول اللحم وبيضة وغير ذلك من المطعومات. وكذلك الكلام والنظر والمشي، وغير ذلك من التصرفات فيها، حلال بين واضح لا شك في حله.
وأما الحرام البين فكالخمر والخنزير والميتة والبول والدم المسفوح. وكذلك الزنى والكذب والغيبة والنميمة والنظر إلى الأجنبية وأشباه ذلك.
وأما المشتبهات فمعناها أنها ليست بواضحة الحل ولا الحرمة. فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يدركون حكمها. وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك. فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة، ولم يكن فيه نص ولا إجماع، اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي. فإذا الحقه به صار حلالا. وقد يكون دليله غير خال من الإحتمال البين، فيكون الورع تركه. ويكون داخلا في قوله صلى الله عليه وسلم. فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.
(استبرأ لدينه وعرضه) أي حصل له البراءة لدينه من الذم الشرعي، وصان عرضه عن كلام الناس فيه.
(ألا وإن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه) معناه أن ملوك العرب وغيرهم يكون لكل ملك منهم حمى يحميه عن الناس ويمنعهم دخوله. فمن دخله أوقع به العقوبة. ومن احتاط لنفسه لا يقارب ذلك الحمى، خوفا من الوقوع فيه. ولله تعالى أيضا حمى، وهي محارمه، أي المعاصي التي حرمها الله، كالقتل والزنى والسرقة والقذف والخمر والكذب والغيبة والنميمة وأكل المال بالباطل وأشباه ذلك. فكل هذا حمى الله تعالى. من دخله بارتكابه شيئا من المعاصي استحق العقوبة. ومن قاربه يوشك أن يقع فيه. فمن احتاط لنفسه لم يقاربه ولم يتعلق بشيء يقربه من المعصية، فلا يدخل في شيء من الشبهات.
(ألا وإن في الجسد مضغة) قال أهل اللغة: يقال: صلح الشيء وفسد، بفتح اللام والشين وضمهما. والفتح أفصح وأشهر. والمضغة القطعة من اللحم. سميت بذلك لأنها تمضغ في الفم لصغرها. قالوا: المراد تصغير القلب بالنسبة إلى باقي الجسد. مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>