للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٥٧ - (٢٤٩٠) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛

أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال "اهجو قريشا. فإنه أشد عليهم مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ" فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ "اهْجُهُمْ" فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ. فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ حَسَّانُ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ.

⦗١٩٣٦⦘

ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ. فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الْأَدِيمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا تَعْجَلْ. فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا. وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا. حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي" فَأَتَاهُ حَسَّانُ. ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ لَخَّصَ لِي نَسَبَكَ. وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ.

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِحَسَّانَ "إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ، مَا نَافَحْتَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ".

وَقَالَتْ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى".

قَالَ حَسَّانُ:

هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ * وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ

هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا تَقِيًا * رَسُولَ اللَّهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ

فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي * لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ

⦗١٩٣٧⦘

ثَكِلْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا * تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءِ

يُبَارِينَ الْأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ * عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظِّمَاءُ

تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ * تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ

فَإِنْ أَعْرَضْتُمُو عَنَّا اعْتَمَرْنَا * وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ

⦗١٩٣٨⦘

وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ * يُعِزُّ اللَّهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ

وَقَالَ اللَّهُ: قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا * يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ

وَقَالَ اللَّهُ: قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا * هُمُ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ

لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ * سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ

فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ الله منك * وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ

وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا * وروح القدس ليس له كفاء


(أدلع لسانه) أي أخرجه عن الشفتين. يقال: دلع لسانه وأدلعه. ودلع اللسان بنفسه. (لأفرينهم بلساني فري الأديم) أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد. (فشفى واشتفى) أي شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ونافح عن الإسلام والمسلمين. (هجوت محمدا برا تقيا) وفي كثير من النسخ: حنيفا، بدل تقيا. فالبر الواسع الخير والنفع. وهو مأخوذ من البر، بكسر الباء، وهو الاتساع في الإحسان. وهو اسم جامع للخير. وقيل: البر، هنا، بمعنى المتنزه عن المآثم. وأما الحنيف فقيل هو المستقيم. والأصح أنه المائل إلى الخير. وقيل الحنيف التابع ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم. (شيمته الوفاء) أي خلقه. (فإن أبي ووالده وعرضي) هذا مما احتج به ابن قتيبة لمذهبه أن عرض الإنسان هو نفسه لا أسلافه. لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف. وقال غيره: عرض الرجل أموره كلها التي يحمد بها ويذم، من نفسه وأسلافه، وكل ما لحقه نقص يعيبه. (وقاء) هو ما وقيت به الشيء. (ثكلت بنيتي) قال السنوسي: الثكل فقد الولد. وبنيتي تصغير بنت. فهو بضم الباء. وعند النووي بكسر الباء، لأنه قال: وبنيتي أي نفسي. (تثير النقع) أي ترفع الغبار وتهيجه. (كنفى كداء) أي جانبي كداء. وكداء ثنية على باب مكة. وعلى هذه الرواية، في هذا البيت إقواء مخالف لباقيها. وفي بعض النسخ: غايتها كداء. وفي بعضها: موعدها كداء. وحينئذ فلا إقواء. (يبارين الأعنة) ويروى: يبارعن الأعنة. قال القاضي: الأول: هو رواية الأكثرين. ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفوسها تضاهي أعنتها بقوة جذبها لها، وهي منازعتها لها أيضا. وقال الأبي نقلا عن القاضي: يعني أن الخيول لقوتها في نفسها وصلابة أضراسها تضاهي أعنتها الحديد في القوة، وقد يكون ذلك في مضغها الحديد في الشدة. وقال البرقوقي في شرحه للديوان: أي أنها تجاري الأعنة في اللين وسرعة الانقياد. قال: ويجوز أن يكون المعنى، كما قال صاحب اللسان، يعارضها في الجذب لقوة نفوسها وقوة رؤوسها وعلك حدائدها.
قال القاضي: ووقع في رواية ابن الحذاء: يبارين الأسنة، وهي الرماح. قال فإن صحت هذه الرواية فمعناها أنهن يضاهين قوامها واعتدالها. وقال البرقوقي: مباراتها الأسنة أن يضجع الفارس رمحه فيركض الفرس ليسبق السنان. (مصعدات) أي مقبلات إليكم ومتوجهات. يقال: أصعد في الأرض، إذا ذهب فيها مبتدئا. ولا يقال للراجع. (الأسل الظماء) الأسل الرماح. والظماء الرقاق. فكأنها لقلة مائها عطاش. وقيل المراد بالظماء العطاش لدماء الأعداء. قال البرقوقي: من قولهم أنا ظمآن إلى لقائك. (تظل جنودنا متمطرات) أي تظل خيولنا مسرعات يسبق بعضها بعضا. (تلطمهن بالخمر النساء) الخمر جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها. أي يزلن عنهن الغبار. وهذا لعزتها وكرامتها عندهم. وقال البرقوقي: يقول تبعثهم الخيل فتنبعث النساء يضربن الخيل بخمرهن لتردها. وكأن سيدنا حسان رضي الله عنه أوحى إليه بهذا وتكلم به عن ظهر الغيب. فقد رووا أن نساء مكة يوم فتحها ظللن يضربن وجوه الخيل ليرددنها. (فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا ... الخ) قال البرقوقي: اعتمرنا أي أدينا العمرة. وهي في الشرع زيارة البيت الحرام بالشروط المخصوصة المعروفة. والفرق بينها وبين الحج أن العمرة تكون للإنسان في السنة كلها. والحج في وقت واحد في السنة، ولا يكون إلا مع الوقوف بعرفة، يوم عرفة. وهي مأخوذة من الاعتمار، وهو الزيارة. يقول: إن لم تتعرضوا لنا حين تغزوكم خيلنا وأخليتم لنا الطريق، قصدنا البيت الحرام وزرناه، وتم الفتح وانكشف الغطاء عما وعد الله به نبيه، صلوات الله وتسليماته عليه، من فتح مكة. وقال الأبي: ظاهر هذا، كما قال ابن هشام، أنه كان قبل الفتح في عمرة الحديبية، حين صد عن البيت. (يسرت جندا) أي هيأتهم وأرصدتهم. (عرضتها اللقاء) أي مقصودها ومطلوبها. قال البرقوقي: العرضة من قولهم بعير عرضة للسفر، أي قوى عليه. وفلان عرضة للشر أي قوي عليه. يريد أن الأنصار أقوياء على القتال، همتها وديدنها لقاء القروم الصناديد. (لنا في كل يوم من معد) قال البرقوقي: لنا، يعني معشر الأنصار. وقوله من معد، يريد قريشا لأنهم عدنانيون. (ليس له كفاء) أي ليس له مماثل ولا مقاوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>