يوضح ذلك الوجه الثامن وهو أنه قد صرح في هذا الأثر أن عمر رضي الله عنه بعث إلى الصحابة فجمعهم من الآفاق وهذا يقتضي أنه جمعهم من مكة والطائف واليمن ونجد والبحرين وعمان والعراق وخراسان والشام ومصر والجزيرة. ولا شك أن هذا لم يقع ولو وقع لما كان يقتصر في الأثر على ذكر رجلين من الشام ورجل مشغول بالجهاد ويترك سائر الأقطار فلا يذكر منهم أحداً. وهذا يدل على أن هذا الأثر مصنوع من بعض أعداء السنة.
الوجه التاسع أن يقال إن عمر رضي الله عنه كان يحدث بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث وقد روي عنه أكثر من خمسمائة حديث فهو مكثر بالنسبة إلى كل واحد من الثلاثة الذين قيل انه أنكر عليهم نشرهم للحديث. وعلى هذا فلا ينبغي أن يظن بعمر رضي الله عنه أنه أنكر شيئاً كان يفعل مثله.
الوجه العاشر مما يدل على أن الأثر موضوع ما ذكر فيه عن عمر رضي الله عنه أنه قال «نحن أعلم» لأن هذه الكلمة تدل على الإِعجاب بالنفس والترفع على الغير, ولا شك أن عمر رضي الله عنه من أبعد الناس عن هذه الصفات الذميمة, ولا ينبغي أن يظن هذا بمن هو دون عمر من الصحابة فضلا عن عمر رضي الله عنه لأنه كان معروفاً بمزيد التواضع والبعد عن مساوئ الأخلاق. وقد ثبت عنه أنه قام على المنبر فنهى الناس عن المغالاة في مهور النساء ونهاهم أن يزيدوا على أربعمائة درهم ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت أما سمعت ما أنزل الله في القرآن قال وأي ذلك فقالت أما سمعت الله يقول (وآتيتم إحداهن قنطارا) الآية فقال اللهم غفرا كل الناس أفقه من عمر. الحديث رواه أبو يعلى قال ابن كثير إسناده جيد قوي.
وروى الإِمام أحمد وابن مردويه عن عمر رضي الله عنه أنه قال «من قال هو عالم فهو جاهل» وإذا كان هذا قول عمر رضي الله عنه فلا ينبغي أن يظن به أن يقول الكلمة التي تدل على الإِعجاب بالنفس والترفع على الغير.
الوجه الحادي عشر أن أبا الدرداء كان ساكنا في الشام في زمان عمر رضي الله عنه وقد قيل إن عمر رضي الله عنه ولاه قضاء دمشق ولم يزل في الشام حتى توفي في سنة اثنتين وثلاثين. وأما أبو ذر فكان ساكنا في الشام في زمان عمر وبعض زمان