للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ رَجُلٌ حَدِيدٌ: أَيْ قَوِيٌّ يَغْضَبُ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ أَلَا تَقْبَلُونَ؟ أَلَا بِتَخْفِيفِ اللَّامِ لِلتَّحْضِيضِ وَافْتِتَاحِ الْكَلَامِ، وَقِيلَ مُشَدَّدَةٌ أَيْ مَا لَكُمْ لَا تَقْبَلُونَ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ مَنَعَكُمْ؟ قَوْلُهُ أَخْيَرُهُمْ هِيَ لُغَةٌ، وَالْأَشْهَرُ خَيْرُهُمْ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ حِنْثِ الْمُضِيفِ لِتَأَكُّدِ حَقِّ الضَّيْفِ، وَقَوْلُهُ لَمْ يَبْلُغْنِي كَفَّارَةٌ أَيْ قَبْلَ الْحِنْثِ، أَمَّا وُجُوبُهَا فَلَا خِلَافَ فِيهِ، كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَيْمَانِ مِنْ الْفِقْهِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي مَجْهُودٌ فَأَرْسَلَ إلَى نِسَائِهِ قُلْنَ كُلُّهُنَّ: لَا وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إلَّا مَاءٌ قَالَ مَنْ يُضِيفُهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إلَى رَحْلِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ هَلْ عِنْدَك شَيْءٌ؟ قَالَتْ لَا إلَّا قُوتُ صِبْيَانِنَا قَالَ فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ قَالَ فَقَعَدُوا فَأَكَلَ الضَّيْفُ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَفِيهِمَا «وَقَرِّبِي لِلضَّيْفِ مَا عِنْدَك» قَالَ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ: «ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَدَّخِرُ بِهِ شَيْئًا»

وَفِيهِ «إذَا أَرَادَ الضَّيْفُ الْعَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ» . وَفِيهِ «أَنَّ مَنْ سُئِلَ شَيْئًا قَامَ بِهِ إنْ أَمْكَنَهُ وَإِلَّا سَأَلَ لَهُ» لَكِنْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ سُؤَالٌ مُعَيَّنٌ، وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ مِنْ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا، وَفِيهِ الِاحْتِيَالُ، وَالتَّلَطُّفُ بِإِكْرَامِ الضَّيْفِ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالْأَنْصَارِيِّ وَأَوْلَادِهِ حَاجَةٌ إلَى الْأَكْلِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ الضَّرَرُ بِتَرْكِهِ وَإِلَّا لَوَجَبَ تَقْدِيمُهُمْ شَرْعًا عَلَى حَقِّ الضَّيْفِ وَفِيهِ الْإِيثَارُ مِمَّنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِأُمُورِ الدُّنْيَا قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى فَضِيلَتِهِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِحُصُولِ الْكِفَايَةِ مَعَ حِيَازَةِ الْفَضِيلَةِ.

وَلِهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافٍ الثَّلَاثَةَ وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافٍ الْأَرْبَعَةَ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ» .

وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>