للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَّ سَلْمَانَ زَارَهُ فَصَنَعَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَهُ طَعَامًا وَقَالَ لَهُ كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ سَلْمَانُ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ» .

قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ آدَابِ الضَّيْفِ وَلَكِنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِفْرَاطِ فِي كَثْرَةِ الْعِبَادَةِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ النِّسَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ زِيَارَةِ الْأَخِ أَخَاهُ فَإِنْ رَآهُ عَلَى خَيْرٍ أَعَانَهُ، وَإِنْ رَآهُ مُحْتَاجًا إلَى تَقْوِيمٍ قَوَّمَهُ، قَالَ وَفِيهِ جَوَازُ أَنْ يُؤَاخَى بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إخْوَةٌ إلَّا أَنَّ هَذَا الْإِخَاءَ لِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ نَظَرَ بِنُورِ الْأَيْمَانِ إلَى خُشُونَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ يَصْلُحُ أَنْ يُضَافَ إلَيْهَا عِلْمُ سَلْمَانَ وَفِقْهُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ إنْسَانٌ قَائِمٌ أَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ فَإِنْ أَبَى عَلَيْهِ أَوْ قَامَ مَمْلُوكُهُ أَوْ غُلَامُهُ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَسَقْيِهِ الْمَاءَ أَخَذَ مِنْ أَطَايِبِ الطَّعَامِ فَلَقَمَهُ، وَإِذَا أَكَلَ مَعَ ضَرِيرٍ أَعَلَمَهُ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَرُبَّمَا فَاتَهُ أَطَايِبُ الطَّعَامِ لِعَمَاهُ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي فِي مَسْأَلَةِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ هَلْ لَهُ الصَّدَقَةُ مِنْ قُوتِهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ: إنَّ الضَّيْفَ لَا يَمْلِكُ الصَّدَقَةَ بِمَا أُذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهِ وَقَالَ إنْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ فَأَضَافَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ الْأَكْلَ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، خُولِفَ فِي أَكْلِهِ مِنْهُ لِإِذْنِهِ فِيهِ يَبْقَى مَا سِوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْأَدْنَى الْإِذْنُ فِي الْأَعْلَى وَحَقُّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ، وَالضِّيقِ. وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ التَّحْرِيمُ.

وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ إنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُلْقِمَ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ قَالَ، لِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِلْكَ صَاحِبِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِتَمْلِيكٍ، وَوُجِّهَتْ رِوَايَةَ الْجَوَازِ فِي مَسْأَلَةِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ بِأَنَّهُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ، وَالْإِذْنِ عُرْفًا فَجَازَ كَصَدَقَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْت زَوْجِهَا، وَهَذَا التَّعْلِيلُ جَارٍ فِي مَسْأَلَةِ الضَّيْفِ فَيَتَوَجَّهُ الْقَوْلُ بِهِ فِيهَا حَيْثُ جَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَتَلْخِيصُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الضَّيْفَ لَا يَمْلِكُ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ، وَالْمُسَامَحَةُ فِيهِ وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَلَمْ تُخَالِفْهُ قَرِينَةٌ كَتَلْقِيمِ بَعْضٍ بَعْضًا وَتَقْدِيمِ طَعَامٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>