إذَا مَا الْمَرْءُ صِرْت إلَى سُؤَالِهْ ... فَمَا تُعْطِيهِ أَكْثَرُ مِنْ نَوَالِهْ
وَمَنْ عَرَفَ الْمَكَارِمَ جَدَّ فِيهَا ... وَحَنَّ إلَى الْمَكَارِمِ بِاحْتِيَالِهْ
وَلَمْ يَسْتَغْلِ مَحْمَدَةً بِمَالٍ ... وَإِنْ كَانَتْ تُحِيطُ بِكُلِّ مَالِهْ
وَلَمَّا وَلَّى الْمَنْصُورُ مَعْنَ بْنَ زَائِدَةَ أَذْرَبِيجَانَ قَصَدَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَنَظَرَ إلَيْهِمْ وَهُمْ فِي هَيْئَةٍ رَدِيئَةٍ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
إذَا نَوْبَةٌ نَابَتْ صَدِيقَك فَاغْتَنِمْ ... مَرَمَّتَهَا فَالدَّهْرُ فِي النَّاسِ قُلَّبُ
فَأَحْسَنُ ثَوْبَيْك الَّذِي هُوَ لَابِسٌ ... وَأَفْرَهُ مُهْرَيْك الَّذِي هُوَ يَرْكَبُ
وَبَادِرْ بِمَعْرُوفٍ إذَا كُنْت قَادِرًا ... زَوَالَ اقْتِدَارٍ فَالْغِنَى عَنْك يَذْهَبُ
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَلَا أُنْشِدُكَ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا لِابْنِ هَرِمَةَ قَالَ هَاتِ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
وَلِلنَّفْسِ تَارَاتٌ يَحِلُّ بِهَا الْعَزَاءُ ... وَتَسْخُو عَنْ الْمَالِ النُّفُوسُ الشَّحَائِحُ
إذَا الْمَرْءُ لَمْ يَنْفَعْك حَيًّا فَنَفْعُهُ ... أَقَلُّ إذَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ الصَّفَائِحُ
لِأَيَّةِ حَالٍ يَمْنَعُ الْمَرْءُ مَالَهُ ... غَدًا فَغَدًا وَالْمَوْتُ غَادٍ وَرَائِحُ
فَقَالَ لَهُ مَعْنُ أَحْسَنْت، وَاَللَّهِ وَإِنْ كَانَ الشِّعْرُ لِغَيْرِك يَا غُلَامُ أَعْطِهِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فَقَالَ الْغُلَامُ اجْعَلْهَا دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ. فَقَالَ مَعْنُ، وَاَللَّهِ لَا تَكُونُ هِمَّتُك أَرْفَعَ مِنْ هِمَّتِي يَا غُلَامُ صَفِّرْهَا لَهُ.
وَقَالَ هَارُونُ الرَّشِيدُ لِلْأَصْمَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا أَغْفَلَك عَنَّا وَأَجْفَاكَ بِحَضْرَتِنَا. فَقَالَ: وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَلَاقَتْنِي بِلَادٌ بَعْدَك حَتَّى آتِيك فَقَالَ لِلْأَصْمَعِيِّ: مَا أَلَاقَتْنِي قَالَ: أَمْسَكَتْنِي وَأَنْشَدَ:
كَفَّاك كَفٌّ لَا تَلِيقُ دَرَاهِمًا ... جُودًا وَأُخْرَى تَمُطُّ بِالسَّيْفِ الدَّمَا
أَيْ: مَا تُمْسِكُ دِرْهَمًا. فَقَالَ أَحْسَنْت وَهَكَذَا كُنَّ وُقِّرْنَا فِي الْمَلَا، وَعَلِمْنَا فِي الْخَلَا. وَأَمَرَ لِي بِخَمْسَةِ آلَافِ دِينَارٍ.
دَخَلَ الْعَتَّابِي عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ فَأَنْشَدَهُ:
حُسْنُ ظَنِّي حُسْنُ مَا عَوَّدَ اللَّهُ ... سِوَايَ بِك الْغَدَاةَ أَتَا بِي
أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ أَحْسَنَ مِنْ حُسْنِ ... يَقِينٍ حَدَا إلَيْك رِكَابِي
فَأَمَرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى فَأَنْشَدَهُ:
جُودُك يَكْفِيك فِي حَاجَتِي ... وَرُؤْيَتِي تَكْفِيك مِنِّي سُؤَالِي
فَكَيْفَ أَخْشَى الْفَقْرَ مَا عِشْتَ لِي ... وَإِنَّمَا كَفَّاكَ لِي بَيْتُ مَالِي
فَأَجَازَهُ أَيْضًا، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَأَنْشَدَهُ:
اُكْسُنِي مَا يَبِيدُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ ... فَإِنِّي أَكْسُوكَ مَا لَا يَبِيدُ
فَأَجَازَهُ وَكَسَاهُ وَحَمَّلَهُ.
وَجَاءَ أَبُو الدِّئْلِ الْمَعْتُوهُ إلَى حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَهُوَ قَاضٍ فَكَسَاهُ فَطَلَب مِنْهُ نَفَقَةً فَحَلَفَ حَفْصٌ مَا فِي بَيْتِي ذَهَبٌ وَلَا