فِضَّةٌ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَ لَهُ دِينَارًا فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ فَقَالَ أَبُو الدِّئْلِ أَيّهَا الْقَاضِي، وَاَللَّهِ مَا أَجِدُ لَك مِثْلًا إلَّا قَوْلَ الشَّاعِرِ:
يُعَيِّرُنِي بِالدَّيْنِ قَوْمِي وَإِنَّمَا ... تَقَرَّضْتُ فِي أَشْيَاءَ تُورِثُهُمْ مَجْدَا
وَقَوْلُ صَاحِبِهِ:
وَمَا كُنْت إلَّا كَالْأَصَمِّ بْنِ جَعْفَرٍ ... رَأَى الْمَالَ لَا يَبْقَى فَأَبْقَى بِهِ حَمْدَا
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ فَقَالَ أَصَلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ إنِّي قَدْ امْتَدَحْتُك بِبَيْتَيْنِ وَلَسْت أُنْشِدُهَا إلَّا بِعَشْرَةِ آلَافٍ وَخَادِمٍ فَقَالَ لَهُ خَالِدُ قُلْ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
لَزِمْت نَعَمْ حَتَّى كَأَنَّك لَمْ تَكُنْ ... سَمِعْتَ مِنْ الْأَشْيَاءِ شَيْئًا سِوَى نَعَمِ
وَأَنْكَرْتَ لَا حَتَّى كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ ... سَمِعْتَ بِهَا فِي سَائِرِ الدَّهْرِ وَالْأُمَمِ
قَالَ وَدَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى خَالِدٍ فِي يَوْمِ مَجْلِسِ الشُّعَرَاءِ عِنْدَهُ وَقَدْ كَانَ قَالَ فِيهِ بَيْتَيْ شِعْرٍ امْتَدَحَهُ فَلَمَّا سَمِعَ قَوْلَ الشُّعَرَاءِ صَغُرَ عِنْدَهُ مَا قَالَ فَلَمَّا انْصَرَفَ الشُّعَرَاءُ بِجَوَائِزِهِمْ بَقِيَ الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَأَنْشَدَهُ الْبَيْتَيْنِ وَهُمَا:
تَعَرَّضْتَ لِي بِالْجُودِ حَتَّى نَعَشْتَنِي ... وَأَعْطَيْتَنِي حَتَّى ظَنَنْتُكَ تَلْعَبُ
فَأَنْتَ النَّدَى وَابْنُ النَّدَى وَأَخُو النَّدَى ... حَلِيفُ النَّدَى مَا لِلنَّدَى عَنْكَ مَذْهَبُ
فَقَالَ سَلْ حَاجَتَك فَقَالَ عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُونَ أَلْفًا، فَقَالَ: قَدْ أَمَرْتُ لَك بِهَا وَشَفَعْتُهَا بِمِثْلِهَا، فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَهَذَا الْعَطَاءُ وَشِبْهُهُ مِنْ الْمُلُوكِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّرْعِ وَإِلَّا فَصَاحِبُهُ مَمْدُوحٌ عُرْفًا.
وَقَدْ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْأَغْلَاطِ، وَالْأَوْهَامِ الْقَبِيحَةِ الْمَدْحُ بِمَا يُوجِبُ الذَّمَّ فَإِنَّهُمْ إذَا سَمِعُوا عَنْ السَّلَاطِينِ، وَالْوُلَاةِ بِالْعَطَاءِ الْمُسْرِفِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَدَحُوهُمْ بِالْكَرَمِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ أَعْطَى حَمَّادًا الرَّاوِيَةَ لِإِنْشَادِ بَيْتٍ جَارِيَتَيْنِ وَعَشْرَ بُدَرٍ، وَقَالَ لَوْ كَانَ مَا أَعْطَاهُ