مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَانَ تَبْذِيرًا وَتَفْرِيطًا فَكَيْفَ وَلَيْسَ مِنْ مَالِهِ؟ فَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَرْوِي هَذَا عَنْ الْمُلُوكِ فَيُخْرِجُهُ مَخْرَجَ الْمَدْحِ، وَالْكَرَمِ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي التَّبْذِيرِ، وَالْإِسْرَافِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: ٢٦٥] أَيْ: يَنْظُرُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ الْأَمْوَالَ وَأَيْنَ الْفُقَرَاءُ عَنْهَا وَإِذَا تَأَمَّلْتَ الْحَالَ وَجَدْت الْأَمْوَالَ أُخِذَتْ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا وَصُرِفَتْ فِي غَيْرِ حَقِّهَا، وَخَرَجَتْ عَنْ نِيَّاتٍ فَاسِدَةٍ انْتَهَى كَلَامُهُ وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ كَلَامُ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ.
وَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: عَجَبًا لِلْبَخِيلِ الْمُتَعَجِّلِ لِلْفَقْرِ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَالْمُؤَخِّرِ لِلسَّعَةِ الَّتِي إيَّاهَا طَلَبَ، وَلَعَلَّهُ يَمُوتُ بَيْنَ هَرَبِهِ وَطَلَبِهِ، فَيَكُونُ عَيْشُهُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَحِسَابُهُ فِي الْآخِرَةِ حِسَابَ الْأَغْنِيَاءِ، مَعَ أَنَّك لَمْ تَرَ بَخِيلًا إلَّا غَيْرُهُ أَسْعَدُ بِمَالِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الدُّنْيَا مُهْتَمٌّ بِجَمْعِهِ وَفِي الْآخِرَةِ آثِمٌ بِمَنْعِهِ وَغَيْرُهُ آمِنٌ فِي الدُّنْيَا مِنْ هَمِّهِ، وَنَاجٍ فِي الْآخِرَةِ مِنْ إثْمِهِ.
وَمِنْ مَنْثُورِ كَلَامِ ابْنِ الْمُعْتَزِّ بَشِّرْ مَالَ الْبَخِيلِ بِحَادِثٍ أَوْ وَارِثٍ. وَمِنْ مَنْظُومِهِ:
يَا مَالَ كُلِّ جَامِعٍ وَحَارِثِ ... أَبْشِرْ بِرَيْبٍ حَادِثٍ أَوْ وَارِثِ
وَقَالَ غَيْرُهُ:
كَدُودَةِ الْقَزِّ مَا تَبْنِيهِ يَهْدِمُهَا ... وَغَيْرُهَا بِاَلَّذِي تَبْنِيهِ يَنْتَفِعُ
وَأَيْنَ هَذَا مِنْ كَلَامِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ فِي أَبْيَاتِهِ الَّتِي يَحُثُّ فِيهَا عَلَى جَمْعِ الْمَالِ وَلَا يُضَيِّعُهُ يَوْمًا عَلَى حَالٍ، مِنْهَا:
إنِّي مُقِيمٌ عَلَى الزَّوْرَاءِ أَعْمُرُهَا ... إنَّ الْكَرِيم عَلَى الْأَقْوَامِ ذُو الْمَالِ
كُلُّ النِّدَاءِ إذَا نَادَيْتُ يَخْذُلُنِي ... إلَّا نِدَائِي إذَا نَادَيْتُ يَا مَالِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute