للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضًا: "ولا نزاع بينهم أن كلام الله لا يفارق ذات الله، وأنه لا يباينه كلامه ولا شيء من صفاته، بل ليس شيء من صفة موصوف تباين موصوفها وتنتقل إلى غيره، فكيف يتوهم عاقل أن كلام الله يباينه وينتقل إلى غيره؟! ولهذا قال الإمام أحمد: كلام الله من الله ليس ببائن منه، وقد جاء في الأحاديث والآثار أنه منه بدأ، ومنه خرج، ومعنى ذلك أنه هو المتكلم به لم يخرج من غيره، ولا يقتضي ذلك أنه باينه وانتقل عنه فقد قال سبحانه في حق المخلوقين: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف:٥]، ومعلوم أن كلام المخلوق لا يباين محلّه.

وقد علم الناس جميعهم أن نقل الكلام وتحويله هو معنى تبليغه كما قال: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:٦٧] وقال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ} [الأحزاب:٣٩] ... والكلام في الورق ليس هو فيه كما تكون الصفة بالموصوف، والعرض بالجوهر ...

بل الناس بفطرهم يفهمون معنى: كلام المتكلم في الصحيفة، ويعلمون أن كلامه الذي قام به لم يفارق ذاته ويحل في غيره، ويعلمون أن ما في الصحيفة ليس مجرد دليل على معنى في نفسه ابتداء، بل ما في الصحيفة مطابق للفظه، ولفظه مطابق لمعناه، ومعناه مطابق للخارج" (١).


(١) مجموع الفتاوى (١٢/ ٣٩٠ - ٣٩١).

<<  <   >  >>