للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه الأمور كلها ظاهرة لا يقولها عاقل في كلام المخلوق إذا سمع وبلّغ أو كتب في كتاب، فكيف يقال ذلك في كلام الله الذي سمع منه وبلغ عنه أو كتبه سبحانه كما كتب التوراة لموسى، وكما كتب القرآن في اللوح المحفوظ، وكما كتبه المسلمون في مصاحفهم.

وإذا كان من سمع كلام مخلوق فبلغه عنه بلفظه ومعناه، بل شعر مخلوق كما يبلغ شعر حسان وابن رواحة ولبيد وأمثالهم من الشعراء، ويقول الناس: هذا شعر حسان بعينه، وهذا هو نفس شعر حسان، وهذا شعر لبيد بعينه كقوله: ألا كل شيء ما خلا الله باطل.

ومع هذا فيعلم كل عاقل أن رواة الشعر ومنشديه لم يسلبوا الشعراء نفس صفاتهم حتى حلّت بهم، بل ولا نفس ما قام بأولئك من صفاتهم وأفعالهم كأصواتهم وحركاتهم حلّت بالرواة والمنشدين، فكيف يتوهم متوهّم أن صفات الباري كلامه أو غير كلامه فارق ذاته وحل في مخلوقاته، وأن ما قام بالمخلوق من صفاته وأفعاله كحركاته وأصواته هي صفات الباري حلّت فيه، وهم لا يقولون مثل ذلك في المخلوق" (١).


(١) المصدر السابق (١٢/ ٢٨٧ - ٢٨٩).

<<  <   >  >>