وقال أيضًا:"وأما قول القائل: إن قلتم: إنّ هذا نفس كلام الله فقد قلتم بالحلول وأنتم تكفّرون الحلولية والاتحادية، فهذا قياس فاسد.
مثاله مثال رجل ادعى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحلّ بذاته في بدن الذي يقرأ حديثه، فأنكر الناس ذلك عليه، وقالوا إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحلّ في بدن غيره. فقال: أنتم تقولون: إن المحدِّث يقرأ كلامه وإن ما يقرؤه هو كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا قلتم ذلك فقد قلتم بالحلول.
ومعلوم أن هذا في غاية الفساد، والناس متفقون على إطلاق القول بأنّ كلام زيد في هذا الكتاب، وهذا الذي سمعناه كلام زيد، ولا يستجيز العاقل إطلاق القول بأنه هو نفسه في هذا المتكلِّم أو في هذا الورق.
وقد نطقت النصوص بأن القرآن في الصدور كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «استذكروا القرآن فلهو أشد تفلتًا من صدور الرجال من النعم في عقلها»، وقوله:«الجوف الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب» وأمثال ذلك، وليس هذا عند عاقل مثل أن يقال: الله في صدورنا وأجوافنا.
ولهذا لما ابتدع شخص يقال له الصوري بأنّ من قال: القرآن في صدورنا فقد قال بقول النصارى، فقيل لأحمد: قد جاءت جهمية رابعة - أي: جهمية الخلقية واللفظية والواقفية وهذه الرابعة- اشتد نكيره لذلك، وقال: هذا أعظم من الجهمية. وهو كما قال؛ فإنّ الجهمية ليس فيهم من يُنكر أن يقال: القرآن في الصدور. ولا يُشِّبه هذا بقول النصارى بالحلول إلا من هو في غاية الضلالة والجهالة" (١).