فالقرآن العربي مكتوب فيما لا يُحصى من المصاحف، ومحفوظ في صدور من لا يحصيهم إلا الله تعالى، وهو قرآن واحد، وهو نفسه الذي تكلّم الله تعالى به، وسمعه منه جبريل - عليه السلام -، وسمعه من جبريل نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم -، وسمعه الصحابة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فإذا قرأه الناس بألسنتهم، أو كتبوه في المصاحف بأيديهم، أو حفظوه في صدورهم لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة, فإنّ الكلام إنما يُضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئًا لا إلى من قاله مبلغًا مؤديًا.
قال الإمام أبو محمد ابن قتيبة:"والقرآن لا يقوم بنفسه وحده كما يقوم المأكول بنفسه وحده، وإنما يقوم بواحدة من أربع: كتابة أو قراءة أو حفظ أو استماع. فهو بالعمل في الكتابة قائم، والعمل خط وهو مخلوق، والمكتوب قرآن وهو غير مخلوق. وهو بالعمل في القراءة قائم، والعمل تحريك اللسان واللهوات بالقرآن وهو مخلوق، والمقروء قرآن وهو غير مخلوق. وهو بالاستماع قائم في السمع، والاستماع عمل وهو مخلوق، والمسموع قرآن غير مخلوق"(١).
(١) الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية (ص: ٦٣) المحقق: عمر بن محمود أبو عمر، دار الراية، ط/ الأولى ١٤١٢ هـ- ١٩٩١ م.