إن قوله:«يوشك أهل العراق أن لا يُجبى إليهم ... » ومثله الشام أن لا يُجبى هكذا بضم «أوله «يُجبى» ؛ أي: يُمنعون منه بسبب حصار ونحوه، أو مقاطعة خارجية، وهذا خاص -كما في الحديث- بالعراق والشام فقط، ولم تذكر «مصر» هنا، أما الحديث الآخر وهو «منَعَت العراق» ومثله الشام، ومثله مصر؛ فهو بفتح أوله «مَنَعت» ؛ أي أنهم هم الذين يمنعون ذلك؛ أي: هم الفاعلون، وليسوا المفعولَ بهم، وذكرت مصر هنا. وطبعاً هناك فرق هائل جوهري بين المعنيين؛ استفدناه من حركة «الحرف» الأول في كلٍّ من اللفظين: «يُجبى» و «مَنَعَت» ؛ فالأول (مبني للمجهول أو لما لم يسمّ فاعله) ، والثاني (مبني للمعلوم) . فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم أخبر أن أهل العراق سيحاصرون ويقاطعون، ويُمنع (بضم الياء التحتية) عنهم الطعام والمساعدات، ثم يفعل هذا بالشام -أيضاً-.
وكذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر -ليس له علاقة بالحديث الأول- أن البلدان الإسلامية سترتد (!!) في آخر الزمان فتمنع ما لزمها من الزكاة وغيرها، وقد ذكر العلماء أقوالاً أخرى، ولكن هذا الذي أثبته هو المعتبر؛ لأنه الواقع، ونص الحديث يؤيده، فقد جاء في آخر الحديث التالي:«وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم» . ويمكن أن نقول: أن الردة التي ذكرها العلماء ليست الردة عن الدين بالكلية، وإنما هي سقوط «الخلافة» وتفكك الدولة الإسلامية إلى دويلات مستقلة وانعدام بيت المال، ومنعت البلدان «الإسلامية» الخراج الذي كان يؤدى لبيت المال، وعلى أي التأويلات والتقديرات؛ فالحديثان مختلفان، سنداً ومتناً وفقهاً، ويمكن أن نضيف هذه العلامة كعلامة صغرى من علامات الساعة؛ وهي سقوط الخلافة، ومنع الدويلات الإسلامية المتشرذمة ما كان يجب عليها ويلزمها في دولة الخلافة» (١) .
(١) «رد السهام عن كتاب عمر أمة الإسلام» (ص ٥٩-٦٠) .