للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم كان أولُ خروجهم في سنةِ ستٍّ وستِّ مِئَةٍ من بلادهم إلى نواحي الترك وفرغانة، فأرسلَ خوارزمُ شاه محمدَ بنَ تكش صاحب خراسان الذي أبادَ الملوكَ، وأخذ الممالِكَ، وعزمَ على قصدِ الخليفة، فلمْ يتهيّأْ له، فأمرَ أهلَ فرغانة والشاش وكاسان وتلكَ البلادِ النّزِهَةِ العامرةِ بالجلاءِ والجَفَلَى إلى سَمْرَقند وغيرِها، ثم خرَّبَها جميعاً خوفاً من التتار أن يملِكُوها؛ لعلمه أنه لا طاقة له بهم.

ثم صارت التتار يتخطفون ويتنقلون إلى سنةِ خمسَ عشْرةَ، فأرسل فيها جنكيزُ خان إلى السلطان خوارزم شاه رُسلاً وهدايا، وقال الرسول: إن القان الأعظم يسلِّمُ عليك، ويقول لك: ليسَ يَخْفَى عليَّ عِظَمُ شأْنِك، وما بلغْتَ من سلطانك، ونفوذِ حُكمِك على الأقاليم، وأنا أرى مسالمَتَك من جملة الواجبات، وأنت عندي مثلُ أعزّ أولادي، وغيرُ خافٍ عليك أنني تملَّكتُ الصينَ، وأنتَ أخبرُ الناس ببلادي، وأنها مثاراتُ العساكرِ والخيول، ومعادنِ الذهبِ والفضةِ، وفيها كفايةٌ عن غيرها، فإن رأيتَ أن تعقد بيننا المودَّة، وتأمُرَ التجّار بالسفر لتعمَّ المصلحتين فعلت.

فأجابه خوارزمُ شاه إلى مُلتَمَسه، وبشَّر جنكيز خان بذلك، واستمرَّ الحالُ على المهادنة إلى أنْ وصل من بلاده تجّار.

وكان خال خوارزم شاه ينوب على بلاد ما وراء النهر، ومعه عشرون ألف فارس، فشرَهَتْ نفسُه إلى أموالِ التّجار، وكاتَب السلطانَ يقول: إن هؤلاء القومِ قدْ جاءوا بزيّ التجار، وما قصْدُهُم إلاّ التجسُّس، فإنْ أذِنْتَ لي فيهم، فأذِنَ له بالاحتياط عليهم، فقبَضَ عليهم وأخذَ أموالهَم (١) ، فرَدَّتْ رسل جنكيز


(١) يا له من تدبير سيئ وقلة بصر بعواقب الأمور؛ حيث اتخذ جنكيز خان من ذلك حجة يطرق بها هذه البلاد، ويأتي بأفعاله الفظيعة الهمجية، والتاريخ يعيد نفسه، وما نراه اليوم هو عين ما وقع بالأمس، مع تغيُّر في الحوادث، وتعدد في الوسائل، والله العاصم.

<<  <  ج: ص:  >  >>