وقال النووي: الظاهر المختار أن الترك لها يكون آخر الزمان. قال السيد السمهودي في «تاريخها» : إنه ورد ما يقضي أن الترك لها يكون متعدداً. فقد روى ابن شبة: ليخرجنّ أهل المدينة منها، ثم ليعودن إليها، ثم ليخرجن منها، ثم لا يعودون إليها. وروى -أيضاً- عن عمر مرفوعاً: يخرج أهل المدينة منها، ثم يعودون إليها فيعمرونها، ثم تمتلئ وتبنى، ثم يخرجون منها، ولا يعودون إليها أبداً. قال: فالظاهر أن ما ذكره القاضي عياض هو ترك الأول، وسببه كائنة الحرة كما في حديث أبي هريرة: يخرجهم أمراء السوء، وأنه بقي الترك الذي يكون آخر الزمان» انتهى. قلت: ويؤيد ما ذكره ما في رواية شريح السابقة: «ليغشين أهل المدينة أمر يفزعهم حتى يتركوها» » . قال أبو عبيدة: لي إيضاحات على كلام القاضي عياض السابق، تتمثل في النقاط الآتية: أولاً: ترك المدينة للعواف ثابت في «الصحيحين» ، ولفظه: «يتركون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلى العوافّ، وآخر من يحشر راعيان من مزينة، يريدان المدينة، ينعقان بغنمهما، فيجدانها وحشاً، حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرّا على وجوههما» . ثانياً: أخرج مالك (٢/٨٨٨) ، والحاكم (٤/٤٢٦) ، وابن عبد البر (٢٤/١٢٢) عن أبي هريرة رفعه: «لتتركنّ المدينة على أحسن ما كانت، حتى يدخل الكلب أو الذئب فيُغَذِّي على بعض سواري المسجد، أو على المنبر، فقالوا: يا رسول الله! لمن تكون الثمار ذلك الزمان؟ قال: للعوافي: الطير والسباع» . فهذان الحديثان هما المعنِيَّان بكلام القاضي عياض -رحمه الله-، والثاني وقع فيه اضطراب عن مالك، ذكره مفصلاً ابن عبد البر في «التمهيد» (٢٤/١٢٢) ، وابن حجر في «إتحاف المهرة» (١٦/١/٢٩١) . ثالثاً: وأما قوله: «فَيُغَذِّي» ؛ معناه: أن يبول على سواري المسجد دفعة بعد دفعة، لعدم سُكّانه، وخُلوّه من الناس. كذا في «النهاية» (٣/٣٤٧) . وقال ابن عبد البر (٢٤/١٢٣) : «فمعناه أن الذئب يبول على سواري المسجد، أو على =