للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الوقت يخرج ناس من المدينة رغبة عنها، وطمعاً برزق ورخص فيتبعونه، ويبدلها الله خيراً منهم، والخروج من المدينة بالجملة يخالف (الأحاديث الواردة في الحث على سكناها) (١) ، وهذا الخروج غير الخروج المذكور عند الفتوحات لبلادها المجاورة، الوارد في «الصحيحين» من حديث سفيان بن أبي زهير -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تفتح اليمن، فيأتي قوم يَبُسّون (٢) ، فيتحَمَّلون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتُفتح الشام، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتُفتح العراق، فيأتي قومٌ يبسون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» (٣) .


(١) للأخ الشيخ صالح الرفاعي كتاب مفيد غايةً، مطبوع بعنوان «الأحاديث الواردة في فضائل المدينة» .
(٢) يَبُسون: بفتح الياء المثناة من تحت، وبعدها باء موحدة تضم وتكسر، من «بَسْ» أو «بِسْ» ، وهي كلمة زجر للدواب عند سوقها لتسرع، وقد ذكر العلماء لها عدة معان، قال النووي: « ... الصواب الذي عليه المحققون أن معناه الإخبار عمن خرج من المدينة، متحملاً بأهله باسّاً في سَيْره، مسرعاً إلى الرخاء في الأمصار التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بفتحها» . انظر: «غريب الحديث» لأبي عبيد القاسم بن سلام (٣/٨٩) ، و «شرح مسلم» للنووي (٩/١٥٨-١٥٩) ، و «فتح الباري» (٤/٩٢) .
(٣) أخرجه البخاري (١٨٧٥) ومسلم (١٣٨٨) ، وفي هذا الحديث إخباره - صلى الله عليه وسلم - بفتح اليمن والشام والعراق قبل وقوع ذلك، ولذا ذكره السيوطي في «الخصائص الكبرى» (ص ٢٨٦ - «تهذيبه» ) .
المتأمل في الحديث يجد أن الخروج من المدينة متعدد -أيضاً- بسبب الفتوحات، فكلما حصل فتح لقُطر؛ خرج بعض من أهل المدينة منها، وذهب غير واحد من الشراح إلى ما قررته، وأجمعُ نقلٍ وجدته للبرزنجي في كتابه «الإشاعة» (ص ٥٣) ، قال:

«قال القاضي عياض: إن هذا جرى في العصر الأول، وإنها تركت أحسن ما كانت من حيث الدين والدنيا، أما الدين فلكثرة العلماء بها، وأما الدنيا فلعمارتها، واتساع حال أهلها. =

<<  <  ج: ص:  >  >>