ومما ينبغي أن يذكر هنا: أولاً: أن نهر الفرات يبلغ طوله (٢٩٩٠) كم، يمتد منها (١٢٢٠) كم عبر الأراضي التركية؛ أي: حوالي (٤٠.٨) في المئة من طول النهر، و (٧١٠) كم عبر الأراضي السورية؛ أي: حوالي (٢٣.٧) في المئة، و (١٠٦٠) كم عبر الأراضي العراقية؛ أي: حوالي (٣٠.٤) في المئة. ثانياً: لمياه الفرات ميزة وخاصيّة تندر أن توجد في غيره، واعتنى العلماء بذكر مَخْرَجِه ومعرفةِ من حضَرَه، وما وَرَد في فضله، وتفضيله على غيره من المياه، واعتنى بهذا كله ابنُ العديم في «بغية الطلب» (١/٣٥٧-٣٧١) ، ومما قال (ص ٣٦٤) ، وأسنده إلى محمد بن جعفر بن النجار، قال: «وقالت الأطباء: كلُّ ماءٍ في نهرٍ فطيرٌ إلا ماء فرات فإنه خمير؛ لكثرة اختلاط الأهوية به، وتكسير المهذرانات له، وهذه المهذرانات عملت لتكسير حدة الماء» ، ثم قال: «قلت: وإلى زمننا هذا يُختار ماء الفرات للخلفاء على ماء دجلة، فإن دجلة تمر ببغداد بدور الخليفة، ويحمل الماء لشرب الخليفة من نهر عيسى، وهو نهر يأتي من الفرات، ويصب في دجلة، حتى أن السقائين ببغداد يُمنعون أن يستقوا للعامة من نهر عيسى، فلا يُمَكَّن من الشرب منه إلا أهل الدور التي هي على نهر عيسى، وما يقاربها. وقرأت فيما علقته من الفوائد: وقيل إن الفرس تسمي نهر الفرات عندهم: نهر شير؛ وهو نهر الملك، وكانوا يرون سقيَ الفرات وثمارَه أفضلَ من سقي دجلة وأحلى وأجود» .
قال أبو عبيدة: ولا يُنسَى في هذا المقام: ما أخرجه مسلم في «صحيحه» (٢٨٣٩) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سيحان، وجيحان، والفرات، والنيل؛ كلٌّ من أنهار الجنّة» . وذكره شيخنا الألباني -رحمه الله- في «السلسلة الصحيحة» (رقم ١١٠، ١١١) ، وذكر فيها برقم (٣١١١) حديث أبي هريرة -أيضاً-: «ليس في الأرض من الجنة إلا ثلاثة أشياء: غَرْسُ العجوة، وأواق تنزلُ في الفرات كلَّ يوم من بركة الجنة، والحجر» . وكان قد ذكره في «السلسلة الضعيفة» (١٦٠٠) ؛ لعدم وقوفه على طريق آخر له، ولكن بقيت النكرة في هذا اللفظ، فقوله: «إلا ثلاثة أشياء» نفي لما عداها، وفي الحديث المتقدم عند مسلم خلاف ذلك؛ فتأمل! ثالثاً: قامت تركيا بإنشاء عدة سدود، مما جعل لها أثراً مباشراً على تقليل مياه الفرات؛ =