فإن قيل: في هذا الكتاب إخبار عن حوادثَ وقعتْ أو ربما ستقع ... !! قلت: لا يلزم من ذلك أن هذا حق ... على فرض صحة ما قيل ... فإن الكهان يأخذون عن مُسترِقِي السمع، وكانوا قبل مَبعَث النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيراً، وأما بعد المبعث؛ فهم موجودون، ولكنهم قليل؛ لأن الله -تعالى- حرس السماء بالشهب، وأكثر ما يقع في هذه الأمة ما يخبر به الجن أولياءهم من الإنس عن الأشياء الغائبة بما وقع في الأرض من الأخبار؛ فيظنه الجاهل كشفاً وكرامة، وقد اغتر بذلك كثير من الناس يظنون المخبر لهم بذلك عن الجن وليّاً لله، وهو من أولياء الشيطان، ورحم الله القرطبي؛ فإنه قال في الكهان: «يجب على من قدر على ذلك من محتسب وغيره أن يقيم من يتعاطى شيئاً من ذلك في الأسواق، وينكر عليهم أشد النكير، وعلى من يجيء إليهم، ولا يغتر بصدقهم في بعض الأمور، ولا بكثرة من يجيء إليهم ممن ينتسب إلى العلم؛ فإنهم غير راسخين في العلم، بل من الجهال بما في إتيانهم من المحذور» . قلت: واغربتاه ... واإسلاماه ... لقد تعاطى كثير من المتمشيخين الكَهانةَ في بيوت الله ... وروّجوا للباطل ... واعتَدَوْا على علم الله بمشاركتهم غيره زوراً وبهتاناً بعلم الغيب ... فاحذر أخي القارئ على عقيدتك، فإن المقرر عند العلماء أن ادّعاء علم الغيب -بجميع أضرابه وأقسامه- كفر وشرك. قال علي القاري في «شرح الفقه الأكبر» (١٢٤) في مبحث الكهانة (وهؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال الخارجة عن الكتاب والسنة أنواع) وذكر منهم نوعاً، فقال: «نوع منهم: أهل تلبيس وكذب وخداع، الذين يُظهِرُ أحدُهم طاعةَ الجنِّ له، أو يدعي الحالَ من أهل المحال؛ كالمشايخ النصّابين، والفقراء الكذابين، والطرقية المكارين؛ فهؤلاء يستحقون العقوبة البليغة التي تردعهم وأمثالَهم عن الكذب والتلبيس، وقد يكون في هؤلاء من يستحق القتل» . وقال -أيضاً- (ص ١٢٥) : «ثم اعلم أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لم يعلموا المغيبات من الأشياء إلا ما علمهم الله -تعالى- أحياناً، وذكر الحنفية (وغيرهم) تصريحاً بالتكفير باعتقاد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم الغيب؛ لمعارضة قوله -تعالى-: {قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} [النمل: ٦٥] » انتهى. فاحذروا عباد الله من هذا الكتاب، وما فيه من الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.