ولعل منشأ اهتمام هؤلاء الخائضين بما وجدوه في بطون الكتب؛ توهمهم أنّ كل ما كُتِبَ وقَدُمَ عهده يصير مُسَلَّماً به، مقطوعاً بصحّته!
وهذا خطأ منهجي؛ فالصواب أنّ ما كتبه الناس في الزمان الماضي، هو كالذي يكتبونه الآن، والذي سوف يكتبونه في الزمن الآتي، منه الحق والباطل، والخطأ والصواب، والصدق والكذب، ومنه ما يكتب عن علم، وما يكتب عن ظنٍّ، وعن جهل!
والقاعدة المقررة: أنّ المكتوب كالمسموع، لا يوثق به إلاّ إذا جاء بسند متّصل، يحتج برواته، ويوثق بهم للعلم بعدالتهم، فما عساه يوجد في الكتب التي ينقل منها هؤلاء الخائضون، من أحاديث وأحداث، تكشف عن المكنون، وتهتك حجب الغيب؟!
فما يوجد فيها -بعد التأكد من صحة ذلك- يعرض على المعلوم من ديننا، وعلى طرق الاستدلال، وصحة الخبر؛ فما وافقه كان له حكمه بقدره، وإلا ضربنا به عرض الحائط، ولا نراه شبهة على المعروف عندنا، بل ما عندنا يكون حجة قاطعة على ما في هذه الكتب من كذب، لا قيمة له في التاريخ فيما ظهر في شبهه ومثله!
«وكيف يثق القلب بنقل مَن كثر منهم الكذب، قبل أنْ يعرف صدق الناقل، وقد تعدى شر»(١) هؤلاء الخائضين إلى غيرهم من العامة، الذين لا يضبطون ولا يتقنون!
ومن أوجه الشبه بين هؤلاء الخائضين وأولئك القصاصين -وبضاعتهم واحدة، وسوقهم رائجة، لكن لا يفلحون، وسرعان ما ينكشفون-: عدم