للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معاني هذه النصوص بحسن تصوّر، وإنما كان ديدنهم وشعارهم إسقاطاً لشيء بيّتوه في أنفسهم في وقت صعب بتهوّر.

ومن الأهمية بمكان: أنْ يراعي المجتهدُ العدلَ في فهمه؛ بحيث يُبقي على مراتب النصوص كما وصلتنا، وأن يلحظ تعدد الأفهام والاجتهادات في تفسير النصوص التي ربّما قد تتدخل الظروف والبيئات في تكوينها وإفرازها، كما سبق بيانه.

«وبما أنّ الظروف والبيئات والحياة نفسها في تغيُّر مستمر، وتطوّر دائم، فإنه ليس من المقبول منهجيّاً إلباس فهم متأثر بظروفه وبيئته بلباس الديمومة، والعصمة، والأبدية، والحيلولة دون أي فهم آخر منبثق عن بيئة وظروف متغايرة، ومختلفة عن ظروف وبيئة الفهم الأول، ولن يكون للمرونة والسَّعة أيُّ معنًى إذا تحول النص الظنيُّ -بسبب اجتهادٍ- إلى نصّ قطعيٍّ في حق غير المجتهد ... وبالمقابل ينبغي الإبقاء على النصوص القطعية قطعيّةً؛ فلا ينالها يد التغيير والتبديل فيتحول بسبب اجتهادٍ إلى نصوص ظنيّة، بعد أن كانت في أصلها نصوصاً قطعيةً.

والسبب في هذا هو أن القطعي من النصوص الشرعية ثابتٌ وغير متغير، ولا يحقُّ لسُنَّة التغيّر والتبدُّلِ والتّحوُّرِ والتطوُّر لأن تجري عليه؛ لأنه من وراء تلك السنة، وجيء به مخاطباً وراء البيئات والظروف والأحوال والعوائد، ولذلك لا يؤثر فيه أي من هذه الأمور، وإذا ما تعامل معه المجتهد مثل تعامله مع الظني من النصوص، فإن مآلَ ذلك إعادةُ النظر في جميع أحكام الدين، ونقضُه من أساسه، والانتهاءُ في نهاية المطاف إلى المروق من هذا الدين، وتبديله بشطحات العقول، وبائسات الأفكار والتأويلات الجائرة الحائرة الخائرة!

إنّ إدراك هذا الضابط المنهجي في فهم النص الشرعي ينبغي أنْ يقوم على إدراك البعد الزمنيّ للأفهام، والتمييز بين ما كان من الأفهام ظرفيّاً، وما

<<  <  ج: ص:  >  >>