للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللَّه قد فرضَ على المسلمين الجهاد لمَن خرجَ عن دينه وإنْ لم يكونوا يقاتلونا، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يُجهّزون الجيوش إلى العدوّ وإن كان العدوُّ لا يَقصِدُهم، حتى إنَّه لما توفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكانت مصيبته أعظم المصائب، وتفرق الناس بعد موته واختلفوا، نَفَّذَ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- جيشَ أسامة بن زيد الذي كان قد أمَّره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام إلى غزو النصارى، والمسلمون إذ ذاك في غاية الضعف، فلمّا رآهم العدوُّ فَزِعوا، وقالوا: لو كان هؤلاء ... (١) ما بعثوا جيشاً.

وكذلك أبو بكر الصديق لما حضرتْه الوفاةُ قال لعمر بن الخطاب: «لا يَشغلكم مصيبتكم بي عن جهادِ عدوِّكم» (٢) ، وكانوا هم قاصدين للعدو لا مقصودين.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته وهو يقول: «نَفِّذوا جيش أسامة، نَفِّذوا جيش أسامة» ، لا يَشغلُه ما هو فيه من البلاء الشديد عن مجاهدة العدوّ، وكذلك أبو بكر.

والساعةَ لما ذهب أميرٌ بحلب بعسكرٍ إلى الجزيرة وتصيَّد هناك، طارَ الصيتُ في تلك البلاد بمَجِيءِ العسكر، فامتلأت قلوب البنجاي رعباً، حتى صاروا يريدون أنْ يُظهِروا زيَّ المسلمين لئلاّ يُؤخَذوا، وفي قلوب العدوّ رُعبٌ لا يعلمه إلاّ اللَّه، وقد هُيِّئ لهم في البلاد إقاماتٌ كثيرة من الشعير وغيره، والمسلمون هناك يدعون الله أنْ يكون رزقَ المسلمين.

وأقلُّ ما يجب على المسلمين أنْ يجاهدوا عدوَّهم في كلّ عام مرةً، وإن


(١) بياض في الأصل بقدر كلمة، ولعلها: «ضعافاً» ، أو ما في معناها، وانظر عن تنفيذ جيش أسامة وما كان فيه من المصالح: «البداية والنهاية» (٩/٤٢١-٤٢٤) ، و «تاريخ دمشق» (٣٠/٣١٥) .
(٢) انظر: «تاريخ الطبري» (٣/٤١٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>