البُعْد عن الفتنة -حسب تعبيرهم- المنعزلين عن الحياة، إذا رأيناهم يلقون كل شيء على القضاء والقدر، فلا قوة عندهم على مقاومة الواقع السيئ؛ لأن ذلك -حسب ما تربوا عليه- هو فتن حتمية تحدّث عنها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، فلا مجال للخروج عليها؛ لأنها من إرادة الله -تعالى-.
ولا نعجب -أيضاً- إذا علمنا أنّ أولئك المسوغين المتواكلين هم من مخلفات عصور الانغلاق الفكري، الذين لم يتربوا على الأسس الصحيحة للتصورات الشرعية في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وآثار الصحابة الكرام، ولم يتفهموا عوامل التغيير التاريخية الإنسانية عامة، والإسلامية خاصة.
وإنّما عاشوا يتلقفون أحاديث متناثرة عن القضاء والقدر، والفتن والملاحم، وأشراط الساعة، والدجال،.... إلخ، مع بُعد كامل عن تفهم المقاصد الحقيقية للشريعة الإسلامية، وحركة التغيير في حياة الصدر الأول من الصحابة -رضي الله عنهم-.
إنّ أولَ ما يلفت نظري -وأنا بصدد أحاديث الفتن والملاحم- هو التركيزُ الشديدُ على فاعلية الإنسان في هذه الحياة، وأثرِه الكبير في عملية التغيير، وتعمير الكون واستعماره.
ويتجلى ذلك في فهمنا الحقيقي لمعاني الجهاد في الإسلام، الجهاد بمعناه الواسع العريض، وتعيين المهمة الأساسية للإنسان المسلم في الحياة: وهي بذل الجهد -كل الجهد- لإعلاء كلمة الله في الأرض.
ثم التركيز القرآني على إيجاد اليقين الجازم بعقيدة التوحيد (لا إله إلا اللَّه) ، والقناعة التامة أنّ التبعة يوم القيام إنما هي تبعة فردية، وإن كل إنسان مأخوذ بعمله.
وكل ذلك إنما يشكل جزءاً كبيراً من الوسائل للوصول إلى الشخصية