للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفهمها العرب ألبتة، ولا يمكن أن تجتمع العقول الصحيحة ولا الأفهام السليمة التي تعرف الدلالات الشرعية عليها!

وأرى أنّ هذه النقطة تحتاج إلى مزيد تجلية (١) ؛ فأقول:

إنّ الذي أراه سائغاً؛ أنْ تكون العلاقة بين بعض (النصوص) وما (يستجدُّ من أحداث) علاقة أمر كلي: (النص) ، بأمر آخر جزئي: (الحدث) ؛ بمعنى: أنّ النص كلي في مضامينه، ولكن ما استجد من نوازل ارتبط بأمر جزئي في مضامينه؛ بمعنى: أنه ما كان ورود النص يتوقف على وجود هذا الحدث الجزئي، وهذه الوجهة تختلف تماماً عن وجهة أولئك الخائضين المطابقين بين (النص) و (الحدث) ، الزاعمين أنّ ورود النص أصالة جاء لهذا الحدث، محصوراً فيه، غير متجاوز إيّاه (٢) .

ولا يخفى أنّ الذي ذهبنا إليه، يجعل النص متعالياً على الأشخاص، والزمان، والمكان، ويجعل الحدث داخلاً ضمن المضامين الكلية، والمعاني العامة الشاملة لمفردات كثيرة، وحوادث غير متناهية، يمكن أنْ تنطبق عليها النصوص.

فمثلاً؛ أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن (الهرج) في آخر الزمان، فلو رحنا نعدد الوقائع التي يشملها النص، لوجدناها كثيرة، وكلها داخلة في مضامينه الكلية، وأما أنْ يزعم شخص ما أنَّ هذا (الهرج) هو واقعة معينة، يحصره فيها،


(١) إذ التفريق بين (السائغ) و (الممنوع) غير واضح في أذهان الخائضين، ومزجوا بين الأمرين، وخرجوا علينا بنتائج لم يسبقوا إليها، بل بطريقة (مبتدعة) من الجمع والتقميش.
(٢) ونردد مع صاحب «فقه التدين فهماً وتنزيلاً» (١/٩٨) قوله -وإنْ كان وضعه في غير هذا المكان- أنّ عند هؤلاء «نزعة نلحظ فيها رواجاً لدى مَن يرومون المروق من بدء الاستمرارية في الهدي النبوي، حيث جنحوا إلى تخصيص الكثير من أحكام الوحي بأسبابها الظرفية» ، قال: «ومن البيِّن أنّ هذه النزعة كفيلة بأنْ تهدم الدّين أصلاً، وحيث تنتهي به إلى وضع من التاريخية ينقطع به عن الحياة، ويؤول به إلى العطالة الكاملة» .

<<  <  ج: ص:  >  >>