ولأقلية فيها للأكثرية منهم، قد كانت هذه الانتخابات شرّاً مستطيراً على الأمة الجزائرية، وأفتك سلاح رماها به الاستعمار، بعد أن نظر النظر البعيد، وكانت ضربة قاضية على ما كانت تصبو إليه وتستعد من وحدة الكلمة واجتماع الشمل، فكلما جهد المصلحون جهدهم في جمع كلمتها -وكادوا يفلحون- جاءت هذه الانتخابات فهدمت ما بنوا وتبرته تتبيراً؛ كان هذا كله قبل أن تقف الحكومة مواقفها المعروفة في انتخابات السنة الماضية، أما بعد أن ظهرت بذلك المظهر، وسنت للانتخابات الجزائرية دستوراً عنوانه:«الحيف والسّيف» ، وارتكبت فيها تلك الفضائح التي يندى لها الجبين خجلاً، والتي يأنف الفرد المستبد من ركوبها فضلاً عن حكومة جمهورية في مظهرها، ديمقراطية في دعواها، فإنّ الانتخاب أصبح وبالاً على الأمة ووباء، وذهب بالبقايا المدخرة فيها من الأخلاق الصالحة هباء، وأصبحت هذه الكراسي عاملاً قويّاً في إفساد الرجولة والعقيدة والدين، وإمراض العزائم والإرادات، وفيها من معاني الخمر أنّ من ذاقها أدمن، وفيها من آفات الميسر أن من جرّبها أمعن، وقد كنا نخشى آثارها في تفريق الشمل وتبديد المال، فأصبحنا نخشاها على الدين والفضيلة، فإنّ الحكومة اتخذت منها مقادة محكمة الفتل لضعفاء الإيمان ومرضى العقيدة وأسرى المطامع منا، وما أكثرهم فينا، خصوصاً بعد أن أحدثت فيها هذه الأنواع التي تجر وراءها المرتبات الوافرة، والألقاب المغرية.
ليت شعري؛ إلى متى تتناحر الأحزاب على الانتخاب وقد رأوا بأعينهم ما رأوا؟ وعلام تصطرع الجماعات؟ وعلام تنفق الأموالُ في الدعايات والاجتماعات إذا كانت الحكومة خصماً في القضية لا حكماً؟ وكانت تعتمد في خصومتها على القوة وهي في يدها، وكانت ضامنة لنفسها الفوز في الخصومة قبل أن تنشب، ويحٌ للأمة الجزائرية من الانتخاب، وويل للمفتونين به من يوم الحساب» (١) .