افتتح المؤلف رحمه الله هذه الرسالة بالحمد لله اقتداء بالكتاب العزيز؛ فإن الله سبحانه وتعالى افتتح كتابه العظيم بالحمد لله رب العالمين.
والحمد هو: الثناء على المحمود بالصفات الاختيارية، أما الثناء عليه فهو بالصفات الجبلية التي جبل الإنسان عليها فإنه يسمى مدحاً، ولا يسمى حمداً، فإن كان الثناء على الصفات الاختيارية التي يفعلها الموصوف باختياره مع حبه وإجلاله سمي حمداً، وإن كان الثناء عليه بالصفات الجبلية التي جبل عليها فإنه يسمى مدحاً، والحمد أكثر من المدح، ولهذا قال: الحمد لله رب العالمين، ولم يقل: أمدح الله رب العالمين، فالحمد معناه: الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية مع حبه وإجلاله العظيم، فالله تعالى محمود بصفاته لما له من الصفات العظيمة، ولما له من الأسماء الحسنى، ولما له من النعم العظيمة على عباده، فهو الذي خلقهم وأوجدهم من العدم، ورباهم بنعمه، ومنَّ على المؤمنين بالإسلام والإيمان، وهو محمود على صفاته العظيمة، ومحمود على أسمائه، وهو سبحانه وتعالى المالك لجميع أنواع المحامد، وهو مستحق لها سبحانه وتعالى، فله سبحانه وتعالى أنواع المحامد كلها لله ملكاً واستحقاقاً، بخلاف الثناء على المحمود بالصفات التي جبل عليها؛ فالأسد إذا مدحته وقلت: إنه قوي، وإنه مفتول الساعدين هذا يسمى مدحاً ولا يسمى حمداً؛ لأن الأسد جبله الله وخلقه الله على هذا الصفات، كونه قوي يفترس غيره، فهذه القوة التي أعطاه الله إياها، وجبله عليها بخلاف الإنسان إذا مدحته، قلت: فلان كريم، فلان محسن، فلان يحسن إلى الناس، فلان مقدام شجاع، لا يهاب الأعداء، فهذا صفات اختيارية يفعلها باختياره، ويسمى هذا حمداً.
(الحمد) أل للاستغراق، أي: أن الله تعالى له جميع أنواع المحامد كلها له سبحانه وتعالى، وهو المالك والمستحق لها.
(الله) لفظ الجلالة لا يسمى به غيره سبحانه وتعالى، أعرف المعارف لفظ الله، فالله معناه: ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً وتعظيماً، وأصل الله الإله، ثم سهلت الهمزة ودمجت اللام في اللام، وتأتي أسماء الله كلها صفات له، كما قال سبحانه وتعالى:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[الحشر:٢٢ - ٢٤]، فلفظ الجلالة يأتي أولاً ثم تأتي بعدها الأسماء والصفات، فأعرف المعارف لفظ الجلالة سبحانه وتعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه وتعالى.
وأسماء الله قسمان: قسم لا يسمى به إلا هو مثل: الله، الرحمن، رب العالمين، خالق الخلق، مالك الملك.
وقسم يسمى به غيره ويشترك، مثل: العزيز والرحيم والحي والسميع والبصير والملك، هذه أسماء مشتركة تطلق على الله وتطلق على غيره:{قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ}[يوسف:٥١]، {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ}[يوسف:٤٣].
وأسماء الله مشتقة مشتملة على معان، وكل اسم مشتمل على صفة، فالله مشتمل على الألوهية، الرحمن مشتمل صفة الرحمة، العليم صفة العلم، القدير صفة القدرة وهكذا فأسماء الله مشتملة على المعاني وعلى الصفات، بخلاف الصفة، مثلاً: صفة العلم ما يشتق منها اسم يقال له عالم، وإنما الأسماء مشتملة على الصفات والمعاني، وكل اسم مشتمل على الصفة فهي مشتقة.
قوله:(رب العالمين) الرب من أسمائه خاصة، فهو مربيهم بنعمه، هو الذي أوجدهم من العدم، ورباهم بنعمه سبحانه وتعالى، فالله هو الرب وغيره المربوب، وهو الخالق وغيره المخلوق، وهو المالك وغيره المملوك، وهو المدبر وغيره المدَبر، فهو رب العالمين.
و (العالمين) كل ما سوى الله يسمى عالم، فالله تعالى رب المخلوقات كلها، وأنت واحد من ذلك العالم، والعوالم في السماوات والأرضين والبحار والجو، هذه المخلوقات كلها عالم، فكل ما سوى الله عالم والله تعالى رب الجميع.