قال المصنف رحمه الله تعالى:[أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن داود الزاهد قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الشامي قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه المروَزي سمعت علي بن الحسن بن شقيق يقول: سمعت عبد الله بن المبارك رحمه الله يقول: نعرف ربنا فوق سبع سماوات على العرش استوى، بائناً من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية: إنه هاهنا.
وأشار إلى الأرض].
وهذا الأثر عن عبد الله بن المبارك، الإمام العالم الزاهد المشهور، نقله المؤلف رحمه الله بسنده عن شيخه الحاكم بسنده إلى عبد الله بن المبارك أنه قال:(نعرف ربنا فوق سبع سماوات على العرش استوى بائناً من خلقه) يعني: نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماوات، وفيه إثبات العلو، وأن الله فوق العلو، وفيه الرد على من أنكر العلو من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة.
قوله:(على العرش استوى) هذه الصفة الثانية، وهي صفة الاستواء.
قوله:(بائناً من خلقه) أي: منفصلاً ليس مختلطاً بالمخلوقات.
قوله:(ولا نقول كما قالت الجهمية: إنه هاهنا.
وأشار إلى الأرض) الجهمية لا يقولون: إن الله في العلو، ولا يقولون: فوق السماوات، وإنما يقولون: الله في الأرض وفي كل مكان، تعالى الله عما يقولون! وهذا كفر وضلال.
والجهمية طائفتان: الطائفة الأولى: ينكرون أن الله فوق العرش، وأن الله فوق السماوات، ويقولون: إنه في كل مكان ولم ينزهوا الله، حتى قالوا: إنه في بطون السباع، وفي أجواف الطيور، وفي كل شيء تعالى الله عما يقولون! الطائفة الثانية: المتأخرون، وهؤلاء أنكروا وجود الرب، ونفوا عنه النقيضين، وما قالوا مثلما قالت الأولى إنه في الأرض، وإنما قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا مباين له ولا مختلط.
إذاً ماذا يكون؟! يكون عدماً بل أشد من العدم.
فهؤلاء الجهمية - الطائفة الثانية - نفوا عن الله النقيضين اللذين لا بد لكل موجود أن يتصف بواحد منهما، وكل من الطائفتين كافرتان، لكن أيهما أشد كفراً؟ الطائفة الثانية نسأل الله السلامة والعافية، لأنهم نفوا النقيضين، وهذا إنكار لوجود الله وقول بالعدم، بخلاف الطائفة الأولى فإنهم تنقصوا الرب وجعلوه مختلطاً بالمخلوقات، نسأل الله العافية!