للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رؤية النبي لربه]

السؤال

كيف الجمع بين أثر ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله جل وعلا: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:١٣]، وقوله: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير:٢٣] قال: رآه بفؤاده.

وبين حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية)، وأنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله جل وعلا: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير:٢٣]، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:١٣] فقال: (إنما هو جبريل عليه الصلاة والسلام)، فما صحة ذلك؟

الجواب

مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في ليلة المعراج فيها خلاف بين أهل العلم على قولين: من العلماء من أثبت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه، وأنه رآه بعيني رأسه في المعراج، وهذا روي عن ابن خزيمة والنووي والقاضي عياض وجماعة.

والقول الثاني الذي عليه جماهير الصحابة والتابعين والأئمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعين رأسه، وإنما رآه بفؤاده، وروي هذا أيضاً عن الإمام أحمد أنه قال: رآه، وروي عن ابن عباس أنه قال: رآه.

والقول الثاني هو الصواب الذي تدل عليه النصوص، وأن النبي لم ير ربه بعين رأسه، ولا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا.

قال الله تعالى لموسى لما قال: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:١٤٣]، فلما تجلى الله للجبل تدكدك وخر موسى صعقاً: {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:١٤٣]، أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات، فلا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا، ويدل على هذا قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:٥١]، فالله تعالى كلم نبينا من وراء حجاب ولم يره النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كلمه بدون واسطة، ويدل هذا على ما في صحيح مسلم الذي عن أبي ذر لما قيل له: هل رأيت ربك؟ قال: (نور أنى أراه) يعني: الحجاب نور يمنعني من رؤيته، وفي حديث أبي موسى: (حجابه النور -وفي لفظ آخر- النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).

فلا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره؛ ولأن الرؤية نعيم خاصة بأهل الجنة وليست لأهل الدنيا، هذا هو الصواب.

والجمع بينما وروي عن بعض الصحابة أنه قال: رآه، وبين من قال: ما رآه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره رحمه الله: أن من أثبت الرؤية من الصحابة ومن العلماء فهي محمولة على رؤية الفؤاد، ومن نفى الرؤية فهي محمولة على رؤية العين.

فما روي عن الصحابة أو عن التابعين أو عن الأئمة بأن النبي رأى ربه فهو محمول على أنه رآه بفؤاده، وما جاء عن الصحابة وعن التابعين أن النبي لم ير ربه يعني: لم ير ربه بعين رأسه، وبهذا تجتمع الأدلة ولا تختلف.

فالصواب أن النبي لم ير ربه بعين رأسه وإنما رآه بفؤاده، وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وأما غير النبي صلى الله عليه وسلم فلا، وأجمعت الأمة على أن النبي ما رأى ربه في الأرض، وإنما الخلاف في رؤيته ليلة المعراج، أما ما يزعمه بعض الصوفية وبعض الملاحدة من أنهم يرون ربهم في الأرض، أو أنه كلما رأوا خضرة قالوا: هذا الله، هذا كفر وضلال نسأل الله السلامة والعافية.

<<  <  ج: ص:  >  >>