[ذكر سبب تأليف الرسالة]
قال المؤلف رحمه الله مبيناً سبب تأليفه هذه الرسالة: (فإني لما وردت آمد طبرستان وبلاد جيلان متوجهاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام، سألني إخواني في الدين أن أجمع لهم فصولاً في أصول الدين).
إذاً هذه الرسالة جواب لسؤال موجه من بعض الإخوان في الدين إلى أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، حيث طلبوا منه أن يجمع لهم فصولاً في أصول الدين التي استمسك بها أئمة الدين وعلماء المسلمين، فأجابهم وكتب هذه الرسالة، وبين فيها معتقد أهل السنة والجماعة في ألوهية الله وربوبيته وأسمائه وصفاته، والإيمان، والجنة والنار، والبعث بعد الموت، والصحابة، والخير والشر إلى غير ذلك.
أما قول المؤلف رحمه الله: (متوجهاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم)، هذا مما يلاحظ على المؤلف رحمه الله؛ فإنه لا يشرع شد الرحل إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشرع السفر لزيارة القبر بهذه النية، وإنما المشروع أن يشد الرحل وأن ينوي السفر لزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إذا وصل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وصلى فيه ركعتين زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه، هذا هو المشروع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)، والحديث رواه الشيخان وغيرهما، فالسفر إنما ينشأ لزيارة المسجد النبوي، وإن مشى في زيارة المسجد ولزيارة القبر بالنية فلا بأس، أما أن تكون النية لأجل زيارة القبور فقط فهذا ممنوع، وإنما تكون النية لزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر المحقق في هذا كلام شيخ الإسلام رحمه الله فقال: بسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الموضوع في مجموع الفتاوى، وفيه قوله: (وما ذكره السائل من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكلها ضعيفة باتفاق أهل العلم في الحديث، بل هي موضوعة، لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئاً منها، ولم يحتج أحد من الأئمة بشيء منها، بل مالك إمام أهل المدينة النبوية الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة، كره أن يقول الرجل: زرت قبره صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا اللفظ معروفاً عندهم أو مشروعاً أو مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم لما جهله عالم المدينة) انتهى.
فإذاً: الأولى أن يقول المؤلف رحمه الله: متوجهاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (التي استمسك بها الذين مضوا من أئمة الدين وعلماء المسلمين والسلف الصالحين)، بدأ بالأئمة ثم العلماء ثم السلف، والسلف هم الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهم صدر هذه الأمة.
قوله: (وهدوا) يعني: الذين هداهم الله.
قوله: (ودعوا الناس إليها في كل حين) يعني: لابد أن يوجد في كل زمان من يقوم بالحق ويظهره ويدعو إليه ويستمسك به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى).
قوله: (ونهوا عما يضادها) يعني: أن هؤلاء الأئمة وهؤلاء العلماء وهؤلاء السلف نهوا عما يضاد أصول الدين، وهي البدع.
قوله: (وينافيها جملة المؤمنين المصدقين المتقين) لأنهم هم الذين يقبلون وينتفعون بخلاف غير المؤمنين فلا يقبلون، وإن كانت الدعوة عامة لكل أحد؛ لكن خص المؤلف رحمه الله جملة المؤمنين المصدقين المتقين؛ لأنهم هم الذين يقبلون وينتفعون بالنصائح والمواعظ.
قوله: (ووالوا في اتباعها) يعني: والوا المؤمنين في اتباع هذه الأصول؛ من الإيمان بالله والملائكة، والكتب المنزلة، والرسل، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، والصراط والميزان والحوض والجنة والنار، والإيمان بربوبية الله وألوهيته وأسمائه وصفاته، فهذه الأصول والوا من اتبعها وآمن بها وجعلوه من أحبابهم.
قوله: (وعادوا فيها) أي أن من خالف هذه الأصول وتنكر لها عادوه وأبغضوه.
قوله: (وبدعوا وكفروا من اعتقد غيرها) أي: بدعوا وكفروا من اعتقد من لم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
قوله: (وأحرزوا لأنفسهم ولمن دعوهم إليها بركتها ويمنها وخيرها)، يعني: حصلت لهم البركة والخير والفضل والأجر والثواب بسبب إيمانهم بهذه الأصول، وموالاتهم عليها، ومعاداتهم لمن خالفها.
قوله: (وأفضوا إلى ما قدموه من ثواب اعتقادهم لها، واستمساكهم بها وإرشاد العباد إليها، وحملهم إياهم عليها)، لما توفاهم الله وانتهت آجالهم قدموا على ما قدموا من خير عظيم، ووجدوا ثواب اعتقادهم لها واستمساكهم بها، وإرشاد العباد إليها؛ لأنهم حينما دعوا إلى هذا الخير وانتفع الناس بهم صار لهم مثل أجورهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الخير مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)، فهؤلاء العلماء والأئمة والسلف الذين دعوا إلى أصول الدين، وإلى الإيمان بما ثبت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مما يجب اعتقاده؛ حصلت لهم بركة هذه الدعوة وخيرها، وأفضوا إلى ما قدموه من ثواب اعتقادهم لها، واستمساكهم بها.
قوله: (فاستخرت الله تعالى، وأثبت في هذا الجزء ما تيسر منها على سبيل الاختصار).
يقول المؤلف رحمه الله: لما سألني هؤلاء الإخوان أن أكتب لهم أصولاً في الدين التي تمسك بها الأئمة، ودعوا إليها، ونهوا عما يضادها، وأفضوا إلى الثواب والأجر الذي حصل لهم بسبب نشرهم لدين الله، ودعوتهم إلى توحيد الله، استخرت الله، والاستخارة مشروعة في الأمور التي قد يكون فيها إشكال، والنبي صلى الله عليه وسلم شرع الاستخارة وقال: (إذا كان لأحدكم أمر فليصل ركعتين من غير الفريضة ثم ليدع، فيقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم إلخ)، فالاستخارة مشروعة في الأمور التي يكون فيها إشكال، أما الأمور الواضحة فليس فيها استخارة، فلا تستخير هل تصلي الجماعة أو ما تصلي، ما تستخير في صوم رمضان في دفع الزكاة في الحج، قال العلماء: إلا إذا كان الحج عن طريق ليس بآمن، فهو يستخير: هل يحج هذا العام أو لا يحج، لكن الأمور التي فيها إشكال تستخير الله: أتتزوج من آل فلان، أتدخل في هذه التجارة مع فلان.
فالمؤلف رحمه الله استخار، لكن كونه يكتب عقيدة أهل السنة والجماعة هل فيها إشكال؟ نعم.
قد يقال: إنه يستخير؛ لأن المؤلفات في العقيدة كثيرة، فهو أشكل عليه الأمر هل الكتابة في هذا الأمر لها فائدة أو ليست لها فائدة؟ لأن العلماء كفوا وكتبوا في هذا الموضوع، فأشكل عليه الأمر، فلهذا قال: استخرت الله تعالى، ثم لما استخار ترجح له أن يكتب هذه الرسالة.
فالإنسان يستخير في الشيء الذي يشكل عليه ويستشير أيضاً، ويمضي لما يشرح صدره له؛ وإذا لم يتبين له شيء يعيد الاستخارة ويكررها وهكذا.
المؤلف رحمه الله كان أشكل عليه أن يكتب هذه الرسالة في العقيدة؛ لأن العلماء قد كفوه وكتبوا مؤلفات، فهل تكون الرسالة لها فائدة أو لا تكون؟ لأن العلماء كفوه وكتبوا رسائل ومؤلفات، ثم بعد الاستخارة ترجح له أن يكتب؛ لأن هذا الرسالة مختصرة لمعتقد أهل الحديث وأهل السنة، فهي تلخيص لما كتبه العلماء، فلهذا ترجح للمؤلف رحمه الله بعد الاستخارة أن يكتب هذه الرسالة؛ لأن الرسائل السابقة قد تكون طويلة، وهذه الرسالة مختصرة يستطيع طالب العلم أن يحفظها ويستوعبها في وقت وجيز، ولهذا ترجح للمؤلف رحمه الله الاستخارة فقال: (فاستخرت الله، تعالى وأثبت في هذا الجزء ما تيسر منها على سبيل الاختصار)، فهو اختصر هذه العقيدة ولخصها من كلام أهل العلم.
وقوله: (رجاء أن ينتفع بها أولو الألباب والأبصار) الرجاء الانتفاع، وإذا انتفع بها صار له مثل أجره، فلهذا أقدم المؤلف رحمه الله على هذه الكتابة.
قوله: (أولوا الألباب والأبصار) يعني: أصحاب العقول؛ كما قال الله تعالى في كتابه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الأَلْبَابِ} [الزمر:٢١] فأصحاب العقول السليمة أرشدهم الله إلى توحيده، وإخلاص الدين له، وقبول الحق، وأولو الألباب هم الذين ينتفعون، أما من لم يرد الله هدايته فلا حيلة فيه إن لم يوفق ولم يرزق عقلاً سليماً ولباً من الألباب التي يرشده إلى قبول الحق).
قوله: (والله سبحانه وتعالى يحقق الظن، ويجزل علينا المن بالتوفيق للصواب والصدق والهداية والاستقامة على سبيل الرشد والحق بمنه وفضله) هذا دعاء من المؤلف رحمه الله بأن يحقق الله له ظنه، ويجزل عليه المن، فيمن عليه بالتوفيق للصواب فيما كتبه، وأن يمن عليه بالصدق والهداية والاستقامة على سبيل الرشد والحق بمنه وفضله، ونرجو أن الله تعالى قد حقق للمؤلف ما أراد إن شاء الله.