قال المؤلف رحمه الله تعالى:[أخبرني أبو طاهر محمد بن الفضل حدثنا أبو عمرو الحيري حدثنا أبو الأزهر حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن جعفر بن برقان قال: سأل رجل عمر بن عبد العزيز عن شيء من الأهواء، فقال: الزم دين الصبي في الكتاب والأعرابي، واله عما سوى ذلك].
وهذا الأثر عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أخرجه الدارمي في سننه، وابن سعد في الطبقات، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، وابن الجوزي في سيرة عمر، وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله الإمام المشهور الزاهد الورع الذي ضمه بعض العلماء إلى الخلفاء الراشدين الأربعة؛ لعدله وورعه، سأله رجل عن شيء من الأهواء -يعني: من البدع- فقال له:(الزم دين الصبي في الكتاب) كان الناس قبل أن توجد المدارس يدرسون الصبيان في الكتاب، يعني: جماعة في المسجد يأتي لهم مدرس يكتب لهم على اللوح، وهي خشبة يطلونها بالطين ويكتبون فيها، يكتب لهم حتى يتعلموا شيئاً من القراءة، وبعض من الآيات، ثم يقال: قرأ في الكتاتيب.
فيقول له:(الزم دين الصبي في الكتاب) كن على دين الصبي أي على الفطرة، واترك هذه الشبه، وكذلك الأعرابي الذي عاش في البادية ما عنده شيء من شبه المعطلة ولا القدرية بل على الفطرة.
قال:(واله عما سوى ذلك)؛ لأنهم مفطورون على الفطرة، الصبي في الكتاب والأعرابي مؤمن بالله وبملائكته وكتبه ورسله ومؤمن بالأسماء والصفات وليس عنده شيء من الشبه، مفطور على الحق والتوحيد.
قال له: الزم دين الصبي في الكتاب، فإنه على الفطرة، والزم ما عليه الأعراب في البوادي أصحاب الفطرة، ما عندهم شبه ولا شكوك، ولا جاءهم أحد يشبه عليهم، ولا يدخل لهم شبه المعطلة، ولا القدرية ولا الخوارج ولا المعتزلة.
ولهذا كثير من أهل الكلام الذين توغلوا في علم الكلام حاروا في آخر حياتهم، وحصلت لهم حيرة واضطراب، وتمنوا أن يكونوا على الفطرة، حتى قال بعضهم: يا ليتني أموت على عقيدة أمي، وقال بعضهم: يا ليتني أموت على عقيدة عجائز نيسابور.
ولما سأل بعض أهل البدع من الذين صار عندهم حيرة بعض الناس: هل تنام في السرير؟ قال: نعم، قال: احمد الله، أنا لا أستطيع أن أنام من الشبه والشكوك، إذا نمت أفكر في الشبه والمقدمات والنتائج، وهل الرب مستو على عرشه أو ليس مستو على عرشه، وهل هذا يمكن، وهل هو جسم أو ليس بجسم، يقول: احمد الله أنك تستطيع أن تنام أنا لا أستطيع أن أنام، وأضع الملاءة على وجهي بعد العشاء ويأتي الفجر وأنا على حالي لم أنم، وأظل أفكر في الشبه، وفي مقدمات أهل البدع، بلا راحة ولا طمأنينة.
هكذا أهل البدع صار عندهم حيرة واضطراب حتى تمنوا أن يموتوا على عقيدة العجائز، فقال أحدهم: يا ليتني أموت على عقيدة أمي، وقال آخر: يا ليتني أموت على عقيدة عجائز نيسابور، وكان من أهل نيسابور، نسأل الله السلامة والعافية.