قوله:(أما بعد) هذه كلمة يؤتى بها للدخول في الموضوع الذي يريد أن يتكلم الإنسان فيه، ويؤتى بها للفصل ما بين السابق واللاحق، كأن المؤلف انتقل من الخطبة إلى الدخول في صلب الموضوع.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه الكثيرة: أما بعد، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول يوم الجمعة:(أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها).
وقد اختلف في أول من قال: أما بعد، فقيل: أول من قالها داود عليه الصلاة والسلام، وقيل: إنها من فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه الصلاة والسلام، وقيل: أول من قالها قس بن ساعدة الإيادي، وعلى كل حال، فأما بعد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعملها في خطبه ورسائله، من ذلك: أنه عليه الصلاة والسلام لما كتب لملك الروم قال: (من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من ابتع الهدى.
أما بعد: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين، ويا أهل الكتاب! تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً)، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي بها في خطبه ورسائله، فينبغي الاقتداء به عليه الصلاة والسلام، وبعض الخطباء وبعض الكتاب يقول: وبعد، لكن (أما بعد) أحسن.