للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قول ابن خزيمة في إثبات استواء الله على عرشه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وسمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ في كتاب التاريخ الذي جمعه لأهل نيسابور، وفي كتابه معرفة الحديث اللذين جمعهما ولم يسبق إلى مثلهما يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: من لم يقل بأن الله عز وجل على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر بربه حلال الدم، يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وألقي على بعض المزابل حتى لا يتأذى به المسلمون ولا المعاهدون بنتن رائحة جيفته، وكان ماله فيئاً لا يرثه أحد من المسلمين، إذ المسلم لا يرث الكافر كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) رواه البخاري].

وهذا الأثر نقله الإمام الصابوني رحمه الله عن شيخه الحاكم صاحب المستدرك، في كتابين: كتاب التاريخ، وكتاب معرفة الحديث، يقول: هذا الأثر رواه الحاكم في التاريخ وفي معرفة الحديث عن أبي جعفر محمد بن صالح عن الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة، فيكون ابن خزيمة صاحب الصحيح، ليس من شيوخ الحاكم بل من شيوخ شيوخ الحاكم.

والمؤلف الصابوني رحمه الله روى عن الحاكم، والحاكم روى عن محمد بن صالح، ومحمد بن صالح روى عن محمد بن إسحاق بن خزيمة الإمام المشهور صاحب الصحيح، حيث يقول: (من لم يقل بأن الله عز وجل على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر بربه).

إذاً: هذا تكفير من هذا الإمام، وأهل السنة كلهم يوافقون الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة أن من لم يؤمن بأن الله استوى على العرش، وأن الله فوق السماوات فهو كافر بربه، وحينئذٍ إذا كان كافراً فهو حلال الدم يقتل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة).

قوله: (حلال الدم يستتاب) من قبل ولاة الأمور، (فإن تاب وإلا ضربت عنقه) بالسيف، (وألقي على بعض المزابل) المزابل: جمع مزبلة، وهي مكان القمامة والكناسة فيقتل ويوضع على الكناسة لا يدفن؛ لأنه لا كرامة له، وليس بمؤمن، فلا يدفن ولا يغسل ولا يصلى عليه.

قوله: (حتى لا يتأذى المسلمون ولا المعاهدون بنتن رائحة جيفته) المعاهد: من له عهد من اليهود أو النصارى الذين لهم ذمة أو يدفعون الجزية أو دخلوا بعهد في البلد، فهؤلاء لهم أمان ولهم عهد لا يقتلون، ولا تؤخذ أموالهم، ولهم حرمة، فيكون هذا كفره أشد من كفر اليهود والنصارى، وأعظم، فيقتل ويلقى على مزبلة حتى لا يتأذى برائحة جيفته المسلمون، ولا يتأذى به المعاهدون من اليهود والنصارى أو غيرهم.

أما ماله فيؤخذ فيئاً، ويوضع في بيت مال المسلمين، لا يرثه أقاربه المسلمون، إلا إن كان له ابن كافر على دينه فيرث، أما أبناؤه المسلمين وزوجته المسلمة لا يرثونه، يؤخذ ماله ويوضع في بيت مال المسلمين، ولذا قال: (وكان ماله فيئاً لا يرثه أحد من المسلمين؛ إذ المسلم لا يرث الكافر كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)) رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما.

وهذا حكم من الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة ووافقه على هذا أهل السنة والجماعة بكفر وردة من أنكر علو الله فوق مخلوقاته واستوائه على عرشه، فمن أنكر العلو والاستواء فهو كافر.

<<  <  ج: ص:  >  >>