[ذكر الأدلة الدالة على علو الله تعلى على خلقه]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأخبر الله سبحانه عن فرعون اللعين أنه قال لـ هامان: {ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:٣٦ - ٣٧]، وإنما قال ذلك لأنه سمع موسى عليه الصلاة والسلام يذكر أن ربه في السماء، ألا ترى إلى قوله: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:٣٧]، يعني: في قوله: إن في السماء إلهاً.
وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أن الله تعالى على عرشه، وعرشه فوق سماواته، يثبتون له من ذلك ما أثبته الله تعالى، ويؤمنون به، ويصدقون الرب جل جلاله في خبره، ويطلقون ما أطلقه سبحانه وتعالى من استوائه على العرش، ويمرونه على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله جل وعلا ويقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:٧]، كما أخبر الله تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يقولون ذلك، ورضيه منهم فأثنى عليهم به].
بدأ المؤلف رحمه الله هنا يذكر الأدلة الدالة على علو الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه، وجاء في النسخة التي معي فيها قبل الآية التي ذكرها ذكر آيات، وهي قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:١٠]، استدل بها على العلو، والصعود إنما يكون من أسفل إلى أعلى، فدل على أن الله في العلو، وقوله: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة:٥]، فالأمر ينزل من السماء التي هي العلو، فدل على أن الله في العلو، وقوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦]، والسماء تطلق ويراد بها العلو، والله تعالى له أعلى العلو وهو ما فوق العرش.
وتطلق السماء على الطباق المبنية، فإذا أريد بالسماء الطباق المبنية فتكون (في) بمعنى: على، أي: أأمنتم من على السماء، وإذا أريد بالسماء العلو تكون (في) للظرفية على بابها، وله تعالى أعلى العلو، وهو ما فوق العرش، قال تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة:٥]، وقوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦].
قوله: [وأخبر الله سبحانه عن فرعون اللعين أنه قال لـ هامان: {ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:٣٦ - ٣٧]، وإنما قال ذلك لأن موسى عليه الصلاة والسلام يذكر أن ربه في السماء، ألا ترى إلى قوله: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:٣٧]، يعني: في قوله: إن في السماء إلها].
هذه الآية فيها إثبات العلو، ووجه الدلالة أن فرعون وقد ادعى الربوبية قال للناس: أنا ربكم الأعلى، وما علمت لكم من إله غيري، فهو منكر لوجود الله في الظاهر، وإن كان مستيقناً به في الباطن، كما قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:١٤]، ففرعون منكر لوجود الله في الظاهر، وطلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليطلع إلى إله موسى؛ لأن موسى أعلمه أن الله في العلو، فطلب فرعون من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليطلع وليكذب موسى فيما زعمه أن الله في العلو، ولهذا قال: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:٣٧]، أي: في دعواه أن الله في العلو.
فإذاً: فرعون منكر لوجود الله، ولهذا قال: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:٣٧]، ولكن بعض الجهمية الآن في القديم والحديث قلبوا معنى الآية، وقالوا: إن فرعون طلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً، ففرعون مجسم لأنه مثبت لوجود الله في العلو، فمن قال: إن الله في العلو، وأثبت أن الله في العلو فمذهبه مذهب فرعون، ومن أنكر العلو فهو على الصواب! فهذا القول يقوله الجهمية المتقدمون والمتأخرون، حتى بعض المتأخرين الآن يقولون: إن من أثبت العلو فهو على مذهب فرعون.
فالجهمية يقولون: لو قلنا: إن الله فوق السماء لصار جسماً، ولصار محدوداً ومتحيزاً وهذا تنقص لله، حيث جعلوه مختلطاً بالمخلوقات نعوذ بالله! فالجهمية أنكروا أن يكون الله في العلو زعماً منهم أن إثبات العلو فيه تجسيم وتنقص لله، ولهذا قالت الجهمية: إن فرعون مثبت للعلو لأنه مجسم، وقالوا: إن من أثبت العلو فهو على مذهب فرعون.
وهذا قلب للحقائق، ففرعون منكر لوجود الله، وقال للناس: أنا ربكم الأعلى، وقال: ما علمت لكم من إله غيري، وطلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليكذب موسى في دعواه أن الله في العلو.
يقول العلماء: من أثبت العلو فهو على دين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام، ومن أنكر العلو فهو على دين فرعون.