قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء لدينه، ويضل من يشاء عنه، لا حجة لمن أضله الله عليه، ولا عذر له لديه، قال الله عز وجل:{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنعام:١٤٩]، وقال جل وعلا:{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي}[السجدة:١٣] الآية، وقال جل وعلا:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ}[الأعراف:١٧٩] الآية.
سبحانه خلق الخلق بلا حاجة إليهم، فجعلهم فريقين: فريقاً للنعيم فضلاً، وفريقاً للجحيم عدلاً، وجعل منهم غوياً ورشيداً، وشقياً وسعيداً، وقريباً من رحمته وبعيداً، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:٢٣]].
وهذه مسألة الهداية من الله عز وجل.
فأهل السنة والجماعة يشهدون أن الله تعالى هو الهادي وهو المضل، كما قال:{يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[فاطر:٨]، فمن هداه الله فبفضله، ومن أضله الله فبعدله سبحانه، كما قال:{يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[فاطر:٨].
والهداية ملك لله يعطيها من يشاء، فإذا أعطى العبد الهداية فهذا فضله، وإذا منع العبد من الهداية وأضله فله الحكمة ولا يعتبر هذا ظلماً؛ لأنه ما منعه شيئاً يملكه، فالظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه، والذي حرمه الله على نفسه هو وضع الشيء في غير موضعه، كأن يمنع أحداً من ثواب عمله أو يحمله سيئات غيره، ولهذا تنزه الله عنه وحرمه على نفسه، فالخلاصة أن مذهب أهل السنة والجماعة: أن الهداية من الله، فالله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
وقالت المعتزلة القدرية: إن الله لا يهدي من يشاء ولا يضل من يشاء، فالعبد هو الذي يهدي نفسه ويضل نفسه - نعوذ بالله - وقالوا: لا فرق بين المؤمن المطيع وبين العاصي، فالمؤمن يختار الهداية بنفسه، والكافر يختار الضلال بنفسه، وما هدى الله هذا ولا أضل هذا، ولا اختار هذا الإيمان بنفسه ثم لم يقدر الله له الهداية، فهو الذي اختار الضلال بنفسه، وقالوا: مثل الله في ذلك -وهم ممثلة يمثلون الله بخلقه- مثل رجل له ابنان أعطاهما سيفين، وأمرهما أن يجاهدا به في سبيل الله، فالأول جاهد به في سبيل الله وامتثل أمر أبيه، والآخر جعل يستعرض رقاب المسلمين ويقطع رقابهم، فهذا اختار الضلال وهذا اختار الهداية، وهذا من أبطل الباطل.
والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة: أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، والله تعالى خص العبد المؤمن بنعمة دينية، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه العظيم:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً}[الحجرات:٧ - ٨].
فلله نعمة دينية على المؤمن خصه بها دون الكافر، وخذل الكافر حكمة منه وعدلاً، وله الحكمة البالغة فلا يسأل عما يفعل، وليس هذا ظلماً وإنما هو عدل منه سبحانه وتعالى، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء إلى دينه، ويضل من يشاء عنه لا حاجة لمن أضله الله عليه ولا عذر له لديه؛ لأن الله تعالى أعطى الإنسان السمع والبصر والفؤاد والعقل، وميزه عن الحيوانات؛ ولهذا فإنه إذا فقد العقل ارتفع عنه التكليف، فالصغير الذي لم يبلغ، والمجنون، والشيخ الكبير الهرم الذي زال عقله لا تكليف عليهم، فإذا فقد العقل زال التكليف.