[أهل السنة وأصحاب الحديث يحرمون المسكرات]
قال الإمام المؤلف رحمه الله تعالى: [ويحرم أصحاب الحديث المسكر من الأشربة المتخذة من العنب أو الزبيب أو التمر أو العسل أو الذرة أو غير ذلك مما يسكر، يحرمون قليله وكثيره، ويجتنبونه وينجسونه ويوجبون به الحد].
أي: يحلون ما أحل الله ويحرمون ما حرم الله، ويتأدبون بالآداب الشرعية الواجبة والمستحبة.
وأصحاب الحديث هم في مقدمة أهل السنة والجماعة وهم أهل الحق، وهم الفرقة الناجية، وتشمل هذه الفرقة كل من عمل بالسنة واجتنب البدعة، سواءً كان مزارعاً أو تاجراً أو صانعاً أو حداداً أو جزاراً أو خياطاً، فأهل السنة والجماعة والفرقة الناجية هم الصحابة والتابعون والأئمة والعلماء وفي مقدمتهم أهل الحديث.
فأصحاب الحديث يحرمون المسكر من الأشربة المتخذة من العنب أو الزبيب أو التمر أو العسل أو الذرة أو غير ذلك مما يسكر، يحرمون قليله وكثيره؛ لأنهم يعملون بالسنة، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) وعلى هذا فكل مسكر حرام، وهو من الخمر، سواء كان مأكولاً أو مشروباً أو مشموماً، وكانت الخمر تتخذ في الأزمنة القديمة من العنب، فيعصر العنب، فإذا مضى عليه ثلاثة أيام وهو في شدة الحر، قذف بالزبد وتخمر وصار خمراً.
وأحياناً يؤخذ من التمر، ويسمونه المريس، فيوضع في الماء لكي يكون حالياً، فإذا جلس ثلاثة أيام في الحر تخمر.
وأحياناً يؤخذ من العسل، وأحياناً من الذرة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعصر له العصير فيشربه اليوم الأول ومن الغد فإذا كان في اليوم الثالث صبه وأهراقه أو سقاه الخادم خشية أن يتخمر، ومعلوم أن الخادم يتأمل وينظر إليه، وذلك في شدة الحر، لكن العصير الآن إذا جعل في الثلاجة لا يتخمر، فإذا ترك في شدة الحر تخمر، وظهرت أنواع جديدة من الخمور منها: المأكول والمشروب، وقد تكون أقراصاً، وقد تكون بالشم، فكل ما يسكر فهو حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر)، فهذا من جوامع الكلم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم، وكل من صيغ العموم.
وجمهور العلماء على أن الخمر من كل شراب، وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الخمر لا تكون إلا من عصير العنب، والصواب: أن الصفة عامة في العنب وفي غيره.
وللخمر أسماء كثيرة كما ذكر العلماء، منها: السكر، وتسمى الجفن، والجعة، والمزر، والبزر، والسكركة، والفضيخ، والطلاء، والباذق.
وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها)، وفي الحديث الذي رواه البخاري معلقاً: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، فقوله: (الحر) أي: الفرج يعني: الزنا.
وقوله: (والمعازف) هي آلات الغناء.
وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رءوسهم بالمعازف والقينات والمغنيات يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير) رواه ابن ماجة ولا بأس بسنده.
وقوله: (يحرمون قليله وكثيرة ويجتنبونه) أي: يبتعدون عنه، وفي النسخة الأخرى (ينجسونه) أي: يرون أنه نجس، وهذه مسألة خلافية بين أهل العلم هل الخمر نجس أو ليس بنجس؟! فالجمهور على أنه نجس، واستدلوا بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة:٩٠].
وذهب بعض العلماء إلى أنه ليس بنجس، وقالوا: لا يلزم من التحريم النجاسة، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإراقتها لما حرمت فملأت سكك المدينة، والناس يمشون إلى المسجد حافين، فيطؤونها ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل أرجلهم، فدل ذلك على أنها ليست نجسة، وعلى كل حال فهي محرمة سواء كانت نجسة أو ليست نجسة.
وقوله: (ويوجبون به الحد) أي: من شرب الخمر وثبت عليه ذلك، فإنه يقام عليه الحد أربعين جلدة أو ثمانين جلدة.
فحد شارب الخمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين جلدة، وكذلك في عهد أبي بكر، أما في آخر عهد عمر فإنه جلد ثمانين جلدة، وأخذ الناس من بعده بذلك.