[إثبات صفة النزول والمجيء]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقرأت في رسالة الشيخ أبي بكر الإسماعيلي إلى أهل جيلان أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله عز وجل: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة:٢١٠]، وقال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:٢٢]، ونؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف.
فلو شاء سبحانه أن يبين لنا كيفية ذلك فعل، فانتهينا إلى ما أحكمه، وكففنا عن الذي يتشابه، إذ كنا قد أمرنا به في قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:٧]].
هذا الكلام الذي سمعناه فيه بيان اعتقاد أهل السنة وأهل الحديث بنزول الرب سبحانه وتعالى ومجيئه، فأهل السنة وأهل الحديث يؤمنون بنزول الرب، وأنه سبحانه وتعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وقد تواترت أحاديث النزول في الصحاح والسنن والمسانيد، وأن الله سبحانه وتعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر.
وسيسوق المؤلف رحمه الله هذا الحديث بأسانيد متعددة.
فأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى ينزل بلا كيف، نزولاً يليق بجلاله سبحانه وتعالى، ولا نعلم كيف ينزل، ونعلم يقيناً أنه فوق العرش سبحانه وتعالى، بنصوص العلو المحكمة، وهي تزيد على ثلاثة آلاف دليل، كلها تدل على أن الله تعالى فوق المخلوقات، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر.
فهذا فعلٌ يفعله كما يليق بجلاله وعظمته لا نكيفه، وإنما نقول: ينزل سبحانه وتعالى نزولاً يليق بجلاله وعظمته.
هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة.
وهل يخلو العرش منه أو لا يخلو؟ ذكر العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، أن للعلماء فيه ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يخلو منه العرش، والقول الثاني: أنه لا يخلو، والقول الثالث: التوقف، وأصحها القول بأنه لا يخلو منه العرش سبحانه وتعالى، وهذا هو الذي عليه المحققون، أي: أنه سبحانه ينزل وهو فوق العرش نزولاً يليق بجلاله وعظمته؛ لأنه لا يشبه نزول المخلوقين.
وكذلك يؤمنون بمجيئه سبحانه وتعالى وإتيانه، كما يليق بجلاله وعظمته، كما قاله سبحانه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:٢٢]، وقال سبحانه: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ} [البقرة:٢١٠]، فيأتي إتياناً يليق بجلاله وعظمته، ولا نكيف صفاته سبحانه وتعالى؛ لأنها ليست كصفات خلقه، فهو يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، وينزل لا كنزولنا، ويأتي لا كإتياننا، ويجيء لا كمجيئنا، فله صفات تليق بجلاله وعظمته، والمخلوق له صفات تناسبه.
هذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، والسلف وأهل الحديث، كما بين الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، ولهذا قال رحمه الله: ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ولا تمثيل.
لا نقول: ينزل كنزول المخلوقين، أو مثل كذا وكذا، أو على كيفية كذا وكذا.
بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينتهون فيه إليه، ويقفون عند هذا الحد، فلا يكيفون، بل يمرون الخبر الصحيح الوارد على ظاهره من غير تكييف ولا تمثيل، ويكلون علم الكيفية إلى الله تعالى.
وكذلك يثبتون ما أثبت الله عز اسمه في كتابه: من المجيء والإتيان المذكوران في قوله عز وجل: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة:٢١٠]، في هذه الآية إثبات إتيان الله يوم القيامة إتياناً يليق بجلاله وعظمته، وقوله سبحانه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:٢٢]، فيه أيضاً إثبات المجيء.
وذكر المؤلف رحمه الله أنه قرأ في رسالة الشيخ أبو بكر الإسماعيلي إلى أهل جيلان: أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الآية.