[وجوب قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد عند أهل السنة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويوجبون قراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام].
وقراءة الفاتحة ركن في حق الإمام والمنفرد بالاتفاق، فلا تصح صلاة أحدهما إلا بقراءتها في كل ركعة، فلو تركها الإمام أو المنفرد في ركعة من الركعات لم تصح صلاتهما، لبطلان هذه الركعة إلا أن يستأنفها.
أما قراءة المأموم ففيها خلاف بين أهل العلم على أربعة أقوال: فمن العلماء من قال بوجوب قراءتها مطلقاً في السرية والجهرية.
ومنهم من قال: لا تجب لا في السرية ولا في الجهرية، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة واستدلوا بحديث: (من كان له إمام فقرائته له قراءة)، لكنه حديث ضعيف عند أهل العلم.
ومن العلماء من قال: تجب على المأموم إلا إذا أدرك الإمام راكعاً فإنها تسقط عنه، لحديث أبي بكرة: (أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم دب دبيباً حتى وقف في الصف، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال: زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يأمره بقضاء الركعة فدل على أنه أدركها.
وذهب آخرون من أهل العلم: إلى أنه إذا أدرك الإمام راكعاً فإنه تفوته الركعة؛ لأنه لم يقرأ الفاتحة، فلابد من قراءتها وهو اختيار الإمام البخاري رحمه الله، وألف في هذا جزء القراءة خلف الإمام، فتكون قراءة الفاتحة في حق المأموم فيها أربعة أقوال: القول الأول: أنها لا تجب لا في السرية ولا في الجهرية، وهذا أضعفها.
القول الثاني: أنها تجب في السرية والجهرية إلا إذا أدرك الإمام راكعاً، فإنها تسقط عنه.
القول الثالث: أنها تجب في السرية دون الجهرية.
القول الرابع: أنها تجب في السرية والجهرية، وإذا أدرك الإمام راكعاً فإنه لا يدرك الركعة.
والراجح أنها تجب على المأموم مطلقاً في السرية والجهرية، إلا إذا أدرك الإمام راكعاً فإنها تسقط عنه وهو القول الثاني، وهي في حق المأموم واجب مخفف، بحيث إذا نسيها سقطت عنه، أو إذا أدرك الإمام راكعاً، أو أدركه في آخر ركعة فإنها تسقط عنه، أو قلد من يقول أنها ليست واجبة، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي لا بأس بسنده: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟! قالوا: نعم يا رسول الله! قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) ويكون مخصصاً لعموم قول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف:٢٠٤] أي: إلا الفاتحة فإنها مستثناة فتقرأ في الصلاة، وحديث: (وإذا قرأ فأنصتوا) أي: إلا الفاتحة.
ومذهب الجمهور: أنها تجب في السرية والجهرية، وأنها في الجهرية تسقط عن المأموم.
والقول بوجوبها حتى في الجهرية قول قوي اختاره الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه وألف رسالة في هذا واختاره ابن خزيمة وجماعة من الشافعية كـ البيهقي والنووي وابن حجر، واختاره أيضاً البخاري وابن حزم والشوكاني وهو اختيار جمع من أصحاب الحديث، وكذلك المؤلف رحمه الله قال بوجوبها.
فأهل السنة منهم من يوجبها، ومنهم من لا يوجبها، ومنهم من يوجبها في السرية دون الجهرية.