[ذكر خبر النزول من طريق رفاعة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ح قال الإمام: وحدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن الأوزاعي حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار حدثني رفاعة بن عرابة الجهني قال: صدرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فجعلوا يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يأذن لهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال شق الشجرة الذي يلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض إليكم من الآخر! فلا ترى من القوم إلا باكياً، قال: يقول أبو بكر الصديق: إن الذي يستأذنك بعدها لسفيه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه)].
قوله: (صدرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) يعني: رجعنا، والصدر: هو رجوع المسافر من مقصده، وهو نقيض الورود.
قوله: (فجعلوا يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يأذن لهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال شق الشجرة الذي يلي النبي صلى الله عليه وسلم أبغض إليكم من الآخر)) هذا فيه إنكار عليهم بالاستئذان، ومعنى: (ما بال شق الشجرة الذي يلي النبي صلى الله عليه وسلم أبغض إليكم من الآخر) قال هذا؛ لأنهم يستأذنون من الجهة التي تلي النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (فلا يرى من القوم إلا باكياً) أي: أنهم بكوا لأنهم شعروا بموعظة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى: قال: (يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إن الذي يستأذنك بعدها لسفيه) أي: بعد هذه المقالة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(فقام النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، وكان إذا حلف قال: والذي نفسي بيده أشهد عند الله ما منكم من أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ثم يسدد إلا سلك به في الجنة، ولقد وعدني ربي أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفاً بغير حساب ولا عذاب، وإني لأرجو أن لا تدخلوها حتى تتبوءوا ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكنكم في الجنة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إذا مضى شطر الليل -أو قال: ثلثاه- ينزل الله إلى السماء الدنيا، ثم يقول: لا أسأل عن عبادي غيري من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوني فأجيبه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ حتى ينفجر الصبح) هذا لفظ حديث الوليد].
هذا الحديث ثابت، وفيه إشارة للمؤمن الذي سدد أنه من أهل الجنة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده أشهد عند الله ما منكم من أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ثم يسدد إلا سلك به في الجنة) يعني: أن من سلك مسلك السداد، واجتهد في مقاربته، واجتهد في فعل الأوامر وترك النواهي، وقبل هذا آمن بالله واليوم الآخر ومات على الإيمان فهو من أهل الجنة والكرامة إن شاء الله عاجلاً أو آجلاً، وهذا إن مات على توحيد خالص لم يصر فيه على كبيرة فإنه يدخل الجنة فضلاً من الله تعالى وإحساناً، وإن مات على توحيد ملطخ بالمعاصي والكبائر، فهو على خطر، وهو تحت مشيئة الله، قد يعفو عنه قد يعذبه في قبره، وقد تصيبه شدائد في موقف القيامة تكفر عنه، وقد يعذبه في النار وقد لا يعذبه، وإن عذب في النار فإنه لن يخلد فيها؛ لأنه مات على التوحيد، فمآله إلى الجنة.
ويخرج من النار بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ثم يسدد إلا سلك به في الجنة، ولقد وعدني ربي أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفاً بغير حساب ولا عذاب)، هذا ثابت وثبت أيضاً في حديث آخر: أن الله تعالى أعطى نبيه صلى الله عليه وسلم مع كل ألف سبعين ألفاً.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإني لأرجو أن لا تدخلوها حتى تتبوءوا ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكنكم في الجنة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إذا مضى شطر الليل -أو قال: ثلثاه- ينزل الله إلى السماء الدنيا) وهذا هو الشاهد: أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل الآخر فيقول الرب سبحانه: (من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوني فأجيبه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ حتى ينفجر الصبح)، ففيه إثبات أن الله تعالى ينزل نزولاً يليق بجلاله وعظمته، فيثبت المؤمن ذلك ولا يكيف، بل يؤمن بأنه سبحانه وتعالى ينزل كما يشاء نزولاً يليق بجلاله وعظمته.