[ذكر الزيادات المختلفة في خبر النزول]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [هذا لفظ أبي سلمة والأغر عن أبي هريرة.
وفي رواية يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فيعطى؟ هل من داع فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ حتى ينفجر الصبح)].
هذه الرواية فيها: (إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه).
وأكثر الروايات فيها: (ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل الآخر).
وفي هذه الرواية (إذا مضى نصف الليل)، وفي رواية (إذا مضى ثلثاه).
وجاء في رواية: (إذا مضى ثلثه).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي رواية سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة زيادة في آخره وهي: (ثم يبسط يديه فيقول: من يقرض غير عدوم ولا ظلوم)].
وهذه الرواية أخرجها مسلم، وقد جاءت من طريقين: الأولى: (ثم يقول: من يقرض غير عديم ولا ظلوم)، وفي الثانية: (ثم يبسط يده -تبارك وتعالى- يقول: من يقرض غير عدوم ولا ظلوم).
وهذا يدل على أن هذا الوقت فاضل وعظيم، إذ هو وقت تنزل الله في آخر الليل، وأنه يبسط يده ويقول: (من يقرض غير عدوم ولا ظلوم)، ويقول: من يسألني؟ من يستغفرني؟ من يدعوني؟ فينبغي للمسلم أن يكون له في هذا الوقت ولو ركعات معدودة يناجي فيها ربه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي رواية أبي حازم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير فينادي: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ فلا يبقى شيء فيه الروح إلا علم به إلا الثقلين الجن والإنس، قال: وذلك حين تصيح الديوك، وتنهق الحمير، وتنبح الكلاب)].
هنا: تصيح الديكة، وهي زيادة، يقول في الحاشية: لم نقف على هذه الزيادة، ويحتاج إلى معرفة ثبوتها (فلا يبقى شيء فيه الروح إلا علم به إلا الثقلان، قال: وذلك حين تصيح الديكة، وتنهق الحمير، وتنبح الكلاب).
وأول الحديث إلى قوله: (فأغفر له).
أخرجه الإمام أحمد في المسند، والدارمي في السنن، والآجري في الشريعة، وابن أبي عاصم في السنة، كلهم عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه بدون لفظ: (في ثلث الليل الأخير).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي رواية موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت زيادات حسنة وهي التي أخبرنا بها أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز المهلبي أنبأنا عبد الله بن محمد الرازي أنبأنا أبو عثمان محمد بن عثمان بن أبي سويد حدثنا عبد الرحمن -يعني: ابن المبارك - حدثنا فضيل بن سلمان عن موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: ألا عبد من عبادي يدعوني فأستجيب له؟ ألا ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له؟ ألا مقتر عليه رزقه فيدعوني فأرزقه؟ ألا مظلوم يذكرني فأنصره؟ ألا ظالم لنفسه يدعوني فأفكه؟ فيكون كذلك إلى أن يطلع الصبح ويعلو على كرسيه)].
هذا فيه زيادات، قال عنه المحقق: إسناده ضعيف، يعني بهذه الزيادات، أما نزول الرب سبحانه وتعالى فهذا ثابت في الصحاح والسنن والمسانيد، لكن هذه الزيادات فيها ضعف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي رواية أبي الزبير عن جابر، من طريق مرزوق أبي بكر الذي خرجه محمد بن إسحاق بن خزيمة مختصراً.
ومن طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر، الذي خرجه الحسن بن سفيان في مسنده.
ومن طريق هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن عشية عرفة ينزل الله فيه إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، ويقول: انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً ضاحين، جاءوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم ير يوماً أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة)].
وهذا الحديث فيه نزول الرب سبحانه وتعالى عشية عرفة، وإن كان قد ذكر أن في بعضه ضعف، لكن قد يتقوى بشواهده.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وروى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن رفاعة الجهني حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مضى ثلث الليل، أو شطر الليل، أو ثلثه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: لا أسأل عن عبادي غيري، من يستغفرني فأغفر له؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني أعطيه؟ حتى ينفجر الصبح)].
وهذا نزول يليق بجلاله وعظمته سبحانه وتعالى.
وهذا الحديث صحيح ثابت.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو محمد المخلدي أخبرنا أبو العباس السراج قال حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي مسلم الأغر قال: أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أشهد عليهما أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول هبط إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مذنب؟ هل من مستغفر؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى تطلع الشمس)].
قوله: (حتى تطلع الشمس) هذه اللفظة شاذة لا تصح، والصواب الثابت: حتى يطلع الفجر.
والمؤلف رحمه الله روى هذا الحديث وذكر له طرقاً كثيرة؛ ليبين أن الحديث ثابت، وأنه بلغ حد التواتر، وأن النزول صفة من صفات الرب، التي تليق بجلاله وعظمته، وأن أهل السنة والجماعة يثبتون النزول بلا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل خلافاً لأهل البدع، فإنهم يقولون: إن معنى: (ينزل كل ليلة إلى السماء) ينزل أمره، وبعضهم يقول: ينزل ملك، فاستوحشوا من إثبات النزول للرب، وقالوا: لا يمكن أن ينزل الرب بذاته.
وسيأتي أنه إذا قال لك الجهمي: أنا أكفر برب ينزل من مكانه، فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء.
فأهل البدع من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة استوحشوا من إثبات النزول وأنكروه.
ويقال لمن يقولون: إن معنى (ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا)، ينزل أمره: إن أمر الله ينزل في كل وقت، كما قال سبحانه: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ} [السجدة:٥]، أما نزوله سبحانه في ثلث الليل الآخر، فهو مخصوص بهذا الوقت المعين بخلاف نزول الأمر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو محمد المخلبي حدثنا أبو العباس الثقفي حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا شبابة بن سوار عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي مسلم الأغر قال: أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الأول هبط إلى هذه السماء، ثم أمر بأبواب السماء ففتحت، فقال: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من مضطر أكشف عنه ضره؟ هل من مستغيث أغيثه؟ فلا يزال ذلك مكانه حتى يطلع الفجر في كل ليلة من الدنيا)].
وهذا الحديث فيه إثبات النزول للرب في كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، في أي مكان من الأرض سواء أكان في الشرق أو الغرب، في أمريكا أو جزيرة العرب في الشام أو مصر أو في أي مكان آخر، فهذا وقت فاضل لا ينبغي للمسلم التفريط فيه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو محمد المخلدي أنبأنا أبو العباس -يعني: الثقفي - حدثنا مجاهد بن موسى والفضل بن سهل قالا: حدثنا يزيد بن هارون حدثنا سهيل عن أبي إسحاق عن الأغر أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كان ثلث الليل نزل تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فقال: ألا هل من مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يعطى سؤله؟ ألا هل من تائب يتاب عليه)].
المؤلف رحمه الله كرر وعدد الطرق والأسانيد ليبين أن هذا الحديث ثابت، وأن له طرقاً متعددة، وأنه بلغ حد التواتر، وأن النزول ثابت للرب سبحانه وتعالى في ثلث الليل الأخير.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا الأستاذ أبو منصور بن حمشاد قال حدثنا أبو إسماعيل بن أبي الظمأ ببغداد حدثنا أبو منصور الرمادي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل الله تعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: أنا الملك أنا الملك ثلاثاً من يسألني فأعطيه؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر)].
وهذا الحديث أخرجه