[الحث على إحياء السنن]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو طاهر بن خزيمة حدثنا جدي الإمام حدثنا أحمد بن نصر].
الجد الإمام هو محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب الصحيح.
قال: [حدثنا أبو يعقوب الحنيني حدثنا كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: الذين يحيون سنتي من بعدي، ويعلمونها عباد الله)].
الشطر الأول من الحديث: (إن هذا الدين بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وأخرجه الترمذي وابن ماجة، وكذلك أيضاً ابن خزيمة والخطيب البغدادي وغيرهم، وهو حديث ثابت.
والرسول صلى الله عليه وسلم أول المؤمنين وأول المسلمين، ثم أسلم معه حر وعبد، وهو أبو بكر وبلال، ثم أسلم عدد من الصحابة، وسيعود غريباً في آخر الزمان كما بدأ، فيخرج الناس من الدين كما دخلوا فيه، (فطوبى للغرباء)، طوبى: الجنة، فالجنة للغرباء الذين يتمسكون بالدين.
جاء في اللفظ الآخر: (قيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون ما أفسد الناس)، وفي لفظ: (قيل من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس)، يعني: يصلحون بأنفسهم إذا فسد الناس.
وفي لفظ: (هم النزاع من القبائل)، يعني: من كل قبيلة واحد أو اثنان والباقي على الباطل.
وفي لفظ: (هم قوم صالحون قليل في قوم سوء كثير).
فجاء في تفسير الغرباء أربع تفسيرات: اللفظ الأول: قيل: من الغرباء؟ فقال: الذين يصلحون إذا فسد الناس.
يعني: الناس يفسدون وهم صالحون في أنفسهم مستقيمون.
واللفظ الثاني: قال: هم الذين يصلحون ما أفسد الناس.
يعني: دعاة إلى الخير يصلحون.
واللفظ الثالث: هم النزاع من القبائل.
واللفظ الرابع: هم قوم صالحون قليل في قوم سوء كثي).
وهنا قيل: يا رسول الله! من الغرباء؟ هذا أيضاً لفظ خامس، قال: الذين يحيون سنتي من بعدي، ويعلمونها عباد الله.
وهذا مثل: (يصلحون ما أفسد الناس).
وقوله: (الذين يحيون سنتي من بعدي ويعلمونها عباد الله)، هذه الزيادة أخرجها الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث، والشيخ: نصر المقدسي في كتاب الحجة.
ساق المؤلف هذا الحديث ليبين أنه ينبغي إحياء السنن، وأن الذين يحيون السنن، ويعلمونها عباد الله هم الغرباء، ومعلوم أنه إذا أحييت السنة ماتت البدعة في مقابلها، وفيه التحذير من البدع، والحث على إحياء السنن.
قال: [أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الحسن الكارزي يقول: سمعت علي بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول: المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله].
هذه المقالة لـ أبي عبيد القاسم بن سلام الإمام المشهور صاحب كتاب الإيمان يقول: المتبع للسنة كالقابض على الجمر هذا في زمانه، فكيف لو رأى أهل الزمان في القرن الرابع والقرن الخامس؟! فكيف لو رأى القرن الخامس عشر؟!.
يقول: المتبع للسنة كالقابض على الجمر؛ وسبب ذلك: قلة أهل السنة وكثرة أهل البدع، فلهذا يجد شدة ومشقة لمخالفة الناس؛ لأنه لا يجد من يوافقه على الحق، فلكثرة أهل الباطل وقلة أهل الحق صار المتبع للسنة بين أهل البدع كالقابض على الجمر، أهل البدع عن يمينه وشماله، وأمامه وخلفه وهو بينهم متبع للسنة ويتحمل ويجد مشقة كما أن القابض على الجمر يتحمل شدة حرارة الجمر.
ثم قال القاسم بن سلام: وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله، يرى أن المتبع للسنة في زمانه أفضل من ضرب السيف في سبيل الله؛ لوجود المجاهدة والشدة والمشقة التي يجدها، كما أن المجاهد في سبيل الله والذي يضرب بالسيف يجاهد الأعداء ويقارع الأعداء، وكذلك هذا الذي يجاهد أهل البدع ويصبر على الحق.