قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ومن قول أهل السنة والجماعة في أكساب العباد: أنها مخلوقة لله تعالى لا ينكرون فيه، ولا يعدون من أهل الهدى ودين الحق من ينكر هذا القول وينفيه].
أهل السنة يقولون: إن الله تعالى خلق العباد وخلق أفعالهم، فأفعال العباد مخلوقة لله، كما قال تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:٩٦] لكن العبد له اختيار ومشيئة وفعل إلا أن مشيئته تابعة لمشيئة الله، أنت الآن موجود مثلاً، تأتي إلى المسجد، وتستطيع أن تجلس في البيت، فلك اختيار ولا أحد يمنعك، فالإنسان يفعل باختياره وليس مجبوراً، إلا أن مشيئته واختياره تابعة لمشيئة الله، وهو مخلوق لله بذاته وأفعاله كما قال تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:٩٦]، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة.
وهناك طائفتان منحرفتان في هذه المسألة: الطائفة الأولى: القدرية الجبرية، قالوا: إن العبد مجبور على أفعاله وليس له اختيار، كالريشة في الهواء، وقالوا: بأن الأفعال أفعال الله، فإذا صليت فهذا فعل الله، والله هو المصلي والصائم، فالأفعال التي تفعلها إنما هي وعاء للأفعال وإلا فالله هو الفعال، فالعباد بمثابة وعاء للأفعال والله تعالى هو الذي يفعل بهم ذلك، وقالوا: مثل الله في ذلك مثل إنسان عنده كوب يصب فيه الماء، فالعباد كأنهم كوب والله كصباب الماء فيه، تعالى الله عما يقولون.
والطائفة الثانية: القدرية النفاة، قالوا: إن العباد خالقون لأفعالهم الطاعات والمعاصي، فما خلقها الله ولا أرادها ولا شاءها، والعبد هو الذي يخلق فعل نفسه استقلالاً.
فهاتان طائفتان منحرفتان، وتوسط أهل السنة والجماعة فلم يقولوا بقول القدرية النفاة ولا بقول الجبرية، فلم يقولوا: بأن العباد خالقون لأفعالهم، بل قالوا: إن الله خالق العبد وخالق فعله، ولم يقولوا: إن العبد مجبور كما قالت الجبرية، بل قالوا: إن العبد له اختيار ومشيئة فهو يفعل باختياره ومشيئته؛ لأن الله أعطاه القدرة على الفعل لكن الله خلقه وخلق قدرته.
والخلاصة: أن المذاهب في أفعال العباد ثلاثة: مذهب القدرية: وهو أن الأفعال خلقها العباد من الطاعات والمعاصي لأنفسهم استقلالاً من دون الله.
ومذهب الجبرية: وهو أن العبد مجبور على أفعاله، والأفعال أفعال الله والعبد مجبور كالريشة في الهواء، وكحركة المرتعش والنائم، وكنبض العروق، وكحركة الرياح للأشجار.
ومذهب أهل السنة: وهو أن الله تعالى خلق العباد وخلق أفعالهم، وأعطاهم القدرة على الأفعال، فالأفعال أفعالهم تنسب إليهم، والعبد هو المصلي والصائم والبر والفاجر، فالأفعال أفعال العبد، والله تعالى خلق العبد بذاته وصفاته وأفعاله، كما قال:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:٩٦].