[النهي عن السؤال عن كيفية النزول]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن زكريا الشيباني قال: سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول سمعت حمدان السلمي وأبا داود الخفاف يقولان: سمعنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: قال لي الأمير عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب! هذا الحديث الذي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا)، كيف ينزل؟ قال: قلتُ: أعز الله الأمير، لا يقال لأمر الرب كيف؟ إنما ينزل بلا كيف].
هذا الأثر ثابت عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، وهو المعروف بـ إسحاق بن راهويه، الإمام المحدث المشهور، وهو من قرناء الإمام أحمد رحمه الله، قال له الأمير عبد الله بن طاهر في زمانه: (يا أبا يعقوب هذه كنية إسحاق بن راهويه، هذا الحديث الذي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا)، كيف ينزل؟) فقال له إسحاق بن راهويه: (أعز الله الأمير -قال هذا تأدباً مع الأمير، وفيه استحباب مخاطبة ولاة الأمور بما يليق بهم- لا يقال لأمر الرب كيف! إنما ينزل بلا كيف).
هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة.
وفي الحديث النهي أن يقال: كيف ينزل؛ إذ لا تكيّف صفات الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدل حدثنا محبوب بن عبد الرحمن القاضي حدثني أبو بكر بن أحمد بن محبوب حدثنا أحمد بن حمويه حدثنا أبو عبد الرحمن العباسي حدثنا محمد بن سلام سألت عبد الله بن المبارك عن نزول ليلة النصف من شعبان، فقال عبد الله: يا ضعيف في كل ليلة ينزل].
وفي نسخة: [يا ضعيف ليلة النصف، ينزل في كل ليلة].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبد الله: ينزل كيف شاء].
وفي رواية أخرى لهذه الحكاية: أن عبد الله بن المبارك قال للرجل: إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخضع له.
وفي رواية أخرى: أن عبد الله بن المبارك قال للرجل: إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصغ له.
يعني: فاعمل به ولا تتجاوزه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول: سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول: سمعت أحمد بن سعيد بن إبراهيم بن عبد الله الرباطي يقول: حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ذات يوم، وحضر إسحاق بن إبراهيم -يعني: ابن راهويه - فسئل عن حديث النزول: أصحيح هو؟ قال: نعم.
فقال له بعض قواد عبد الله: يا أبا يعقوب! أتزعم أن الله تعالى ينزل كل ليلة؟ قال: نعم.
قال: كيف ينزل؟ فقال له إسحاق: أثبته فوق حتى أصف لك النزول، فقال الرجل: أثبَتُّه فوق، فقال إسحاق: قال الله عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:٢٢]، فقال الأمير عبد الله: يا أبا يعقوب! هذا يوم القيامة.
فقال إسحاق: أعز الله الأمير، ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم؟].
وهذا فيه دليل على أنه يجب على المسلم أن يثبت الصفات لله عز وجل وينفي علم الكيفية، بل نقول: ينزل كما يشاء، ويجيء كما يشاء، ويأتي كما يشاء سبحانه وتعالى، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].