[الإيمان بالجنة والنار وأنهما مخلوقتان]
يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [ويشهد أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما باقيتان لا تفنيان أبداً، وأن أهل الجنة لا يخرجون منها أبداً، وكذلك أهل النار الذين هم أهلها خلقوا لها، لا يخرجون منها أبداً، ويؤمر بالموت فيذبح على سور بين الجنة والنار، وأن المنادي ينادي يومئذ: (يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت) على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم].
فقوله: ويشهد أهل السنة ويعتقدون أن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما باقيتان لا تفنيان أبداً معناه: أن عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الجنة والنار مخلوقتان الآن، دائمتان لا تفنيان، خلافاً للمعتزلة، فالمعتزلة قالوا: الجنة والنار ليستا مخلوقتان الآن، ولن تخلقان إلا يوم القيامة: وهذا باطل فقد قال الله تعالى عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣]، وقال عن النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:٢٤] وشبهة المعتزلة أننا لو قلنا: إن الجنة والنار مخلوقتان الآن وليس فيهما أحد، لصار هذا عبث، والعبث محال على الله، ففراراً من ذلك قالوا: لم تخلق جنة ولا نار الآن، وإنما تخلقان يوم القيامة وهو قول باطل، والذي عليه أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار مخلوقتان الآن.
أولاً: هناك نصوص تدل على أن الجنة والنار مخلوقتان: قال تعالى عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣]، وقال عن النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:٢٤] أعدت شيء مضى.
وثانياً: قول المعتزلة وجودهما الآن وليس فيهما أحد عبث والعبث محال عن الله قول باطل أيضاً، فمن قال إنه لا توجد الآن حاجة للجنة والنار؟ ومن قال إن وجودهما عبث؟ فالجنة فيها الحور العين، وفيها أرواح المؤمنين تتنعم فيها، وأرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسبح في الجنة وترد أنهارها، والكافر إذا مات نقلت روحه إلى النار تعذب في النار نعوذ بالله، وجاء في الحديث: (أن المؤمن إذا مات فتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها، والكافر يفتح له باب من النار فيأتيه من حرها وسمومها) وهذا دليل على أن النار موجودة الآن، والجنة موجودة الآن، والله تعالى قال في كتابه العظيم عن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦]، والعرض غدواً وعشياً في الدنيا، إذاً النار موجودة الآن وقول المعتزلة من أبطل الباطل، ثم أيضاً ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء قال: (وأدخلت الجنة).
وفي حديث الكسوف: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كشف له عن الجنة وتقدم وتقدمت الصفوف قال: حتى كأني رأيت دلي عنقود كأني آخذ منها).
(وكشف له عن النار، وتأخر وتأخرت الصفوف حتى خاف عليه الصلاة والسلام)، فقول المعتزلة: إن الجنة والنار غير مخلوقتان الآن من أبطل الباطل، والصواب أنهما موجدتان الآن مخلوقتان دائمتان لا تفنيان أبد الآباد خلافاً للجهمية الذين يقولون: إن الجنة والنار تفنيان، وهذا من أبطل الباطل، ولهذا كفرهم أهل السنة والجماعة.
وقول المؤلف رحمه الله: وأن أهل الجنة لا يخرجون منها أبداً.
معناه: أن الجنة لا تفنى، وكذلك أهل النار الذين هم أهلها خلقوا لها لا يخرجون منها أبداً، أما العصاة فيخرجون؛ لأن العصاة ليسوا من أهل النار؛ ولأن المعصية شيء عارض، فهم موحدون مؤمنون، والمعصية تحتاج إلى تطهير، مثل الثوب إذا أصابته نجاسة فإنه يغسل بالماء، فالعصاة إن عفا الله عنهم طهروا، وإن لم يعف الله عنهم فلا بد أن يطهروا بالنار حتى تنتهي المعصية، فإذا طهروا من المعاصي أخرجهم الله إلى الجنة فليسوا من أهل النار وإنما أهل النار هم الكفرة الذين يبقون فيها أبد الآباد، نسأل السلامة والعافية: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [النساء:٥٧] كما قال سبحانه.
قال المؤلف: ويؤمر بالموت فيذبح على سور بين الجنة والنار، وأن المنادي ينادي يومئذ: ٍ (يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت) كما جاء في الحديث.
والحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى يوم القيامة بالموت على صورة كبش أملح) وهذا بعد خروج العصاة الموحدين من النار ودخولهم الجنة، (فيجعل بين الجنة والنار فيقال: يا أهل الجنة، أتعرفون هذا؟ فيقولون: هذا الموت، ويقال يا أهل النار، أتعرفون هذا؟ فيقولون: هذا الموت فيذبح بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت، فيزداد أهل الجنة نعيماً إلى نعيمهم، ويزداد أهل النار حسرة إلى حسرتهم).
نسأل الله السلامة العافية.