قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقرأت لـ أبي عبد الله بن أبي حفص البخاري، وكان شيخ بخارى في عصره بلا مدافع، وأبو حفص كان من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني، قال أبو عبد الله -أعني ابن أبي حفص: هذا عبد الله بن عثمان، وهو عبدان شيخ مرو- يقول: سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول: قال حماد بن أبي حنيفة: قلنا لهؤلاء: أرأيتم قول الله عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:٢٢]، وقوله عز وجل:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ}[البقرة:٢١٠]، فهل يجيء ربنا كما قال، وهل يجيء الملك صفاً صفاً، قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفاً صفاً، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذلك، ولا ندري كيف جيئته.
وقلنا لهم: إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه، أرأيتم من أنكر أن الملك لا يجيء صفاً صفاً، ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب، قلنا: فكذلك من أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب.
قال أبو عبد الله بن أبي حفص البخاري أيضاً في كتابه: ذكر إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: إذا قال لك الجهمي: أنا لا أؤمن برب يزول عن مكانه.
وفي نسخة: ينزل -لكن لعلها يزول- فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء].
وهذه القصة التي ذكرها المؤلف رحمه الله عن أبي حفص وهو من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة، أنه سمع محمد بن الحسن يقول قال حماد بن أبي حنيفة:(قلنا لهؤلاء -يعني المعطلة الذين ينفون صفات الله- أرأيتم قول الله عز وجل:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:٢٢]، يعني هل تؤمنون بهذا، فقالوا: (أما الملائكة فيجيئون صفاً صفاً، وأما الرب فإنا لا ندري ما عنى بذلك) أي: نثبت أن الملائكة يصفون، ويجيئون، ولا نثبت أن الله يجيء، قوله: فقلت: لهم: (إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه) أي: أنتم لستم مكلفين بمعرفة الكيفية وإنما مكلفون بالإيمان بمجيئه بلا تكييف.
ثم قال لهم من باب الإلزام:(أرأيتم من أنكر أن الملك لا يجيء صفاً صفاً، ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب، قلنا: فكذلك من أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب)؛ لأن الله أثبت في آية واحدة مجيئه ومجيء الملائكة فقال سبحانه:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:٢٢]، فإذا كان الذي ينكر مجيء الملائكة كافر مكذب، فكذلك الذي ينكر مجيء الله كافر مكذب.
ثم ذكر أبو عبد الله بن أبي حفص أيضاً هذه القصة عن الفضيل بن عياض أنه يقول:(إذا قال لك الجهمي: أنا لا أؤمن برب يزول عن مكانه فقل له أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء) هذا من باب الإلزام.
فالجهمي ينكر نزول الرب سبحانه، فيقول: أنا لا أؤمن برب يزول عن مكانه، وأنت رد عليه بقولك: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء.