للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مذهب أهل السنة في الخير والشر والنفع والضر]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويشهد أهل السنة ويعتقدون: أن الخير والشر والنفع والضر بقضاء الله وقدره لا مرد لها ولا محيص ولا محيد عنها، ولا يصيب المرء إلا ما كتبه له ربه، ولو جهد الخلق أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله له لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروه بما لم يقضه الله لم يقدروا عليه، لما ورد به خبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:١٠٧]].

هذا مذهب أهل السنة والجماعة في الخير والشر، فيشهد أهل السنة والجماعة ويعتقدون: أن الخير والشر والنفع والضر والحلو والمر كله بقضاء الله وقدره، فكل شيء مقدر، حتى العجز والكيس، والعجز: هو الشيء الذي تعجز عنه، والكيس هو: النشاط والقوة فكل شيء مكتوب، مثلاً: يريد الإنسان أن يفعل خيراً ثم يقول: لا، أنا كسلان اليوم فهذا مكتوب، فالعجز الكسل مكتوبان، وكل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ، وكل شيء قدره الله، قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:٥٩].

فالشر والخير والنفع والضر كله بقضاء الله وقدره ولا مرد لهما ولا محيص ولا محيد عنهما، ولا يصيب المرء إلا ما كتب له ربه، كل ما يصيب الإنسان من أوجاع وأمراض، والموت الذي يصيبه، والهم والغم والحزن، وإيذاء الناس له، والنقص الذي يحصل عليه في ماله وبدنه، فكل هذا مكتوب، ولا يصيب المرء إلا ما كتب له ربه.

قوله: (ولو جهد الخلق)، يعني: لو اجتهدوا أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله لم يقدروا عليه، ولو عملوا جهدهم في أن يضروه بما لم يقضه الله عليه لم يقدروا.

فلو اجتمع الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم في أن يوصلوا إليك خيراً ما أراده الله لما استطاعوا، ولو اجتمع الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم إنسهم وجنهم على أن يضروك بشيء ما كتبه الله عليك لم يقدروا، قال الله تعالى في كتابه العظيم: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر:٢].

وكما ورد بذلك الخبر عن عبد الله بن عباس: وهو حديث صحيح لا بأس به، وقال الترمذي: حسن صحيح، يقول: (كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

يعني: انتهى الأمر فكل شيء مكتوب.

وقال الله عز وجل: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:١٠٧].

يعني: إذا مسك ضر فلن يستطيع الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم أن يرفعوا هذا الضر عنك إلا إذا أراده الله، وإذا أصابك خير قدره الله لك فلن يستطيع الخلق كلهم أن يمنعوا هذا الخير إلا إذا أراد الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>