[إثبات الصفات بلا تشبيه أو تمثيل]
قوله: [ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه].
أهل السنة والجماعة يثبتون الأسماء والصفات، لكن ينفون التمثيل والتشبيه، فيقولون: إن الله تعالى له سمع وبصر وعلم وقدرة لكن لا يماثل أحداً من مخلوقاته.
المعنى معلوم، والعلم ضد الجهل، معنى السمع ضد الصمم، معنى البصر ضد العمى، لكن كيفية اتصاف الرب بالسمع والبصر والعلم لا نعلمه، ولا يعلم كيفية الصفات إلا هو.
إذاً: معاني الصفات معلومة خلافاً للمفوضة، وهم طائفة يفوضون المعنى، يقولون: لا نعلم معنى السمع، ولا البصر، كأنها كلمات أعجمية، وهذا من أبطل الباطل.
وبعضهم ينسب هذا إلى مذهب السلف، والسلف لا يفوضون بل يعرفون المعنى، لكن الذي يفوض هو علم الكيفية، كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء قال: (الاستواء معلوم) يعني: معلوم معناه في اللغة العربية، كما قال السلف: استوى استقر وعلا وصعد وارتفع.
لكن كيفية استواء الرب لا نعلمها؛ ولهذا قال الإمام مالك: (والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، وهذا يقال في كل الصفات، فمعنى الصفات من السمع والبصر والعلم والقدرة معلومة، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (ولا يعتقدون تشبيهاً للصفات بصفات خلقه)، يعني: لا نقول: إن صفات الخالق تشبه صفات المخلوقين، ولا نكيف ونقول: إن كيفيتها كذا، ولا نحرف ولا نعطل.
الناس أقسام: من الناس من أثبت الصفات لكن شبهه بصفات المخلوقين، قال: لله سمع كسمعنا، وبصر كبصرنا، وعلم كعلمنا ويد كأيدينا، وهذا مذهب المشبهة، وهم غلاة الشيعة، ويسمونهم البيانية، وينسبون إلى بيان بن سمعان التميمي، والسالمية الذين ينسبون إلى هشام بن سالم الجواليقي، وكان بعضهم يقول: إن الله على صورة الإنسان، وينزل عشية عرفة على جمل، ويحاضر ويسامر ويصافح، ومنهم من قال: إنه يندم ويحزن ويبكي! قبحهم الله، تعالى الله عما يقولون.
فغلاة الشيعة البيانية والهاشمية يقولون: صفات الخالق مثل صفات المخلوق سواء وهؤلاء المشبهة كفرة، فمن شبه الله بخلقه أو شبهه بصفة من صفات خلقه فهو في الحقيقة ما عبد الله، وإنما عبد وثناً، صوره له خياله، ونحته له فكره، فهو من عباد الأوثان لا من عباد الرحمن، قال العلامة ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية: لسنا نشبه وصفه بصفاتنا إن المشبه عابد الأوثان والمشبه مشابه للنصارى الذين زعموا أن عيسى ابن الله، وشبهوا عيسى بالله، ولهذا يقول العلامة ابن القيم: من شبه الله العظيم بخلقه فهو النسيب للمشرك النصراني والطائفة الثانية: المعطلة، وهم الذين نفوا الصفات عن الله، وأنكروها، وقالوا: إن الله لا يسمع ولا يبصر، ولم يستو على العرش، ونفوا العلم وسائر الصفات، وهذا مذهب المعتزلة والجهمية، حيث يزعمون أنهم لو أثبتوا الصفات للزم من ذلك التشبيه بصفات المخلوقين، قالوا: لو قلنا: إن لله سمعاً لشبهنا الله بالخالق، ولو قلنا: إن لله له بصراً لشبهنا الخالق بالمخلوق، ولو قلنا: إن له استواء لشبهناه بالمخلوق.
فهم على طرفي نقيض، المشبهة أثبتوا وزادوا في الإثبات حتى غلوا وشبهوا صفة الخالق بصفات المخلوقين، والمعطلة مثل الجهمية والمعتزلة -وكذلك الأشاعرة لا يثبتون لله إلا سبع صفات، وبقية الصفات ينفونها- نفوا الصفات وقالوا: إن الله لا يعلم ولا يسمع، وهؤلاء بزعمهم في التنزيه حتى نفوا الصفات، وأولئك المشبهة غلو في الإثبات حتى شبهوا الله بخلقه، وهدى الله أهل السنة والجماعة فتوسطوا، فقالوا: نحن نثبت الصفات لكن لا نغلو في الإثبات حتى نصل إلى التشبيه كما قالت المشبهة، ونزهوا الله عن صفات المخلوقين، قالوا: إن الله لا يشبه خلقه، لكن لم يغلوا في هذا التنزيه حتى يصلوا إلى التعظيم، فصار مذهب أهل السنة والجماعة وسطاً وحقاً بين باطلين، وهدى بين ضلالين؛ فهم أخذوا الحق الذي مع المعطلة، وهو التنزيه، وتركوا الباطل وهو الزيادة في هذا التنزيه حتى نفوا الصفات، والمشبهة معهم حق وهو أصل الإثبات، لكن معهم باطل وهو الزيادة في هذا الإثبات حتى شبهوا الله بالمخلوقين، فأهل السنة والجماعة أخذوا الحق الذي مع المعطلة، وأخذوا الحق الذي مع المشبهة، ونفوا الباطل الذي مع المشبهة، ونفوا الباطل الذي مع المعطلة، فخرج مذهب أهل السنة {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل:٦٦]، من بين ذم التشبيه وفرط التعظيم.