[معتقد الإمام الصابوني ووصيته]
قال الراوي عنه: [قال الأستاذ الإمام رحمه الله: وأنا بفضل الله عز وجل متبع لآثارهم، مستضيء بأنوارهم، ناصح لإخواني وأصحابي أن لا يزيغوا عن منارهم، ولا يتبعوا غير أقوالهم، ولا يشتغلوا بهذه المحدثات من البدع، التي اشتهرت فيما بين المسلمين، وظهرت وانتشرت، ولو جرت واحدة منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة لهجروه وبدعوه، ولكذبوه وأصابوه بكل سوء ومكروه، ولا يغرن إخواني -حفظهم الله- كثرة أهل البدع ووفور عددهم، فإن وفور أهل الباطل وقلة عدد أهل الحق من علامات اقتراب يوم الحق؛ فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن من علامات الساعة واقترابها أن يقل العلم ويكثر الجهل)، والعلم: هو السنة، والجهل: هو البدعة، ومن تمسك اليوم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم].
قال صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله)].
والأستاذ الإمام هو الصابوني، والذي يقول: قال الإمام هو الراوي الذي روى عنه، وذكر أنه قال: أنا متبع لآثار الأئمة الذين ذكرت، مستضيء بأنوارهم، وأنصح إخواني أن يتبعوا أهل السنة والجماعة، ولا يشتغلوا بالمحدثات من البدع التي ظهرت وانتشرت، فإن هذه البدع لو جرت وظهرت في عصر أولئك الأئمة، كعصر الإمام أحمد والشافعي لهجروا صاحبها وبدعوه وكذبوه وأصابوه بكل سوء ومكروه، ولا يغرن إخواني -حفظهم الله- كثرة أهل البدع ووفور عددهم، فلا تغتر بكثرة أهل البدع، وكثرة العصاة، فإن كثرة أهل البدع وكثرة العصاة هو دليل على قرب قيام الساعة؛ لأنه في آخر الزمان تكثر البدع وتنتشر، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في صحيحه ومسلم أيضاً وغيرهما: (إن من علامات الساعة أن يقل العلم، ويكثر الجهل، ويقل الرجال، وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد).
والعلم هو السنة، والجهل هو البدعة.
وجاء في الحديث الآخر قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها)، يعني: في آخر الزمان، هذا الحديث متفق عليه أخرجه الشيخان وغيرهما.
وفي الحديث الآخر: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله)، وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وهذا في آخر الزمان، فلا تقوم الساعة إلا بعد قبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، حتى لا يبقى فيها إلا الكفرة، لا يعرفون الله، ولا يذكرونه، فعليهم تقوم الساعة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن تمسك اليوم بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمل بها، واستقام عليها ودعا إليها، كان أجره أوفر وأكثر من أجر من جرى على هذا الجملة في أوائل الإسلام والملة، إذ الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: (له أجر خمسين، فقيل: خمسين منهم؟ قال: بل منكم)، وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك لمن يعمل بسنته عند فساد أمته.
قال أبو عثمان: وجدت في كتاب الشيخ الإمام جدي أبي عبد الله محمد بن عدي بن حمدويه الصابوني رحمه الله، قال: أخبرنا أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي أن العباس بن صبيح حدثهم قال: حدثنا عبد الجبار بن مظاهر قال: حدثني معمر بن راشد قال: سمعت ابن شهاب الزهري يقول: تعليم سنة أفضل من عبادة مائتي سنة].
يعني: أن المتمسك بالسنة عند الفساد وعند ظهور البدع أجره مضاعف، ويدل على هذا حديث: (من تمسك بسنتي عند فساد أمتي كان له أجر خمسين، فقالوا: يا رسول الله! خمسين منا أو منهم، قال: منكم)، وفي اللفظ الآخر: (تجدون على الخير عوناً، ولا يجدون على الخير عوناً).
وجاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان وصححه الألباني، وفي لفظ الترمذي: (إن من ورائكم أيام الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم، قيل: يا رسول الله! أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم)، والمعنى أنه يعطى أجر خمسين من الصحابة في هذا المسألة، وهي التمسك بالسنة، وليس معنى ذلك: أنه أفضل من الصحابة؛ لأن الصحابة لهم مزية الصحبة ولا يلحقهم من بعدهم فيها، ولهم مزية الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم وتبليغ الدين، وهذه لا يلحقهم فيها من بعدهم إلى يوم القيامة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تجدون على الخير عوناً، ولا يجدون على الخير عوناً)، والقاعدة عند أهل العلم تقول: إن المزية الخاصة لا تقضي على الفضائل العامة، وفضيلة التمسك فضيلة واحدة، لكن الصحابة لهم فضائل كثيرة، مثل مزية موسى أنه أول من يحشر يوم القيامة، ومع ذلك فنبينا صلى الله عليه وسلم أفضل منه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من أفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، ولا أدري أفاق قبلي أم بعدي)، وهذه منقبة خاصة لموسى، والمناقب الخاصة لا تقضي على المناقب العامة، فليس معنى ذلك أنه أفضل من نبينا صلى الله عليه وسلم.
وأثر الزهري: تعليم السنة أفضل من عبادة مائتي سنة، يقول المحقق: ورد في الآثار بمعنى هذا، منها: قول الزهري: ما عبد الله بمثل الفقه.
وقول الشافعي: طلب العلم أفضل من الصلاة النافلة.
وهذا صحيح، فإن طلب العلم أفضل من الصلاة النافلة، وأفضل من قيام الليل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: سمعت محمد بن حاتم المظفري يقول: سمعت عمر بن محمد يقول: كان أبو معاوية الضرير يحدث هارون الرشيد، فحدثه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه: احتج آدم وموسى، فقال عيسى بن جعفر: كيف هذا وبين وآدم وموسى ما بينهما؟! قال: فوثب به هارون وقال: يحدثك عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتعارضه بكيف؟! قال: فما زال يقول حتى سكت عنه، قال: هكذا ينبغي للمرء أن يعظم أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقابلها بالقبول والتسليم والتصديق، وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا الطريق الذي سلكه هارون الرشيد -رحمه الله- مع من اعترض على الخبر الصحيح الذي سمعه بكيف؟! على طريق الإنكار له والاستبعاد له، ولم يتلقه بالقبول كما يجب أن يتلقى جميع ما يرد من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم].
وهذه القصة فيها أن أبا معاوية يحدث هارون الرشيد بالحديث المشهور: (احتج آدم وموسى)، وهو الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احتج آدم وموسى، فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فلماذا أخرجت نفسك من الجنة؟ فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، أما وجدت كتب علي (وعصى آدم ربه) قبل أن أخلق بأربعين سنة؟ قال: نعم، قال: النبي صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى) يعني: غلبه بالحجة.
فلما حدث أبو معاوية بهذا الحديث، قال رجل عنده: كيف هذا وبين آدم وموسى ما بينهما من المسافة؟ فوثب عليه هارون الرشيد أمير المؤمنين وأنكر عليه، وقال: يحدثك عن رسول الله وتعارضه بكيف؟! فما زال يقول: يحدثك عن رسول الله وتعارضه بكيف؟! حتى سكت.
يقول المؤلف رحمه الله الصابوني: [هكذا ينبغي للمرء أن يعظم أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقابلها بالقبول والتسليم والتصديق، وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا الطريق الذي سلكه هارون الرشيد رحمه الله]، فإنه أنكر على هذا، وقال: كيف تعترض على الخبر الصحيح الذي تسمعه بكيف؟! على طريق الإنكار له والابتعاد عنه، ولم يتلقه بالقبول، كما يجب أن يتلقى جميع ما يرد من الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهكذا ينبغي للمسلم أن يعظم السنة ولا يعترض عليها.
وهذه القصة تدل على أن هارون الرشيد كان من الصالحين، المحقق يقول: هذا والله مقام أميري.
فـ هارون الرشيد ذب عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وحمل على أهل البدع والأهواء ممن يشككون فيها، فهذا هو المقام الذي يليق بـ هارون الرشيد، لا ذلك المقام الذي وضعه فيه ذلك الشيعي الخبيث أبو الفرج الأصفهاني صاحب (كتاب الأغاني) من أنه معاقر للخمر معاشر للنساء غارق في الملذات، ومن أراد أن يعرف هارون الرشيد فليرجع إلى سيرته في كتب التاريخ الإسلامي، لا في كتب الأشعار والأغاني، فقد جاء في تاريخ الطبري، وفي مقدمة ابن خلدون: أن هارون الرشيد كان يصلي في كل يوم مائة ركعة، وأنه كان يحج عاماً ويغزو عاماً، ومن راجع سيرته عرف فضله وعلمه وزهده وعدله وخشيته لله عز وجل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [جعلنا الله سبحانه من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويتمسكون في دنياهم مدة حياتهم بالكتاب والسنة، وجنبنا الأهواء المضلة، والآراء المضمحلة، والأهواء المذلة فضلاً منه ومنة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم].
نسأل أن يتقبل دعوة المؤلف، ونسأل الله أن يرزقنا التمسك بسنته، ونسأله أن يثبتنا على دين ال