[الصلاة خلف الإمام البر والفاجر والجهاد معه والدعاء له]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام براً كان أو فاجراً، ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف، وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل].
عقيدة أهل السنة والجماعة في ولاة الأمر من المؤمنين: عدم الخروج عليهم، ويرون جواز صلاة الجمعة والعيدين خلفهم، ويرون الجهاد والحج معهم ولو كانوا فساقاً، ولو ارتكبوا الكبائر، ما داموا مسلمين؛ لأن هذه المعاصي التي يفعلها ولاة الأمر مثل: شرب الخمر، أو الظلم، أو قتله بغير حق، أو أخذ مالاً بغير حق، فإن هذه المعاصي تعتبر من الظلم والفسق، فلا يجوز الخروج عليهم بمثلها؛ لأن الخروج يؤدي إلى مفسدة أكبر، وقواعد الشريعة تدل على أنه إذا وجدت مفسدتان ولا يمكن تركهما جميعاً، فترتكب المفسدة الصغرى لدفع الكبرى، وإذا وجدت مصلحتان كبرى وصغرى ولا يمكن فعلهما جميعاً نترك الصغرى ونأتي بالكبرى، فهذه المسألة تتماشى مع قواعد الشرع بهذه الكيفية.
فولي الأمر إذا فسق أو عصى فإن ذلك يعتبر مفسدة كبرى، لكن الخروج عليه يؤدي إلى مفسدة أكبر، وهي إراقة الدماء، وانقسام الناس إلى فريقين، واختلال الأمن، واختلال المعيشة، وتدهور الاقتصاد، والزراعة والتجارة والتعليم، وتربص الأعداء بهم الدوائر، وتأتي بفتن لا أول لها ولا آخر تقضي على الأخضر واليابس، فهذه مفاسد عظيمة فلا نرتكبها، بل على الرعية أن يصبروا على جور الولاة، فإن في هذا مصلحة كبيرة، والنصيحة مبذولة من قبل العلماء والدعاة وأهل الحل والعقد، فإن قبل الولاة فالحمد لله، وإن لم يقبلوا فقد أدى الناس ما عليهم، ولا يجوز الخروج على ولاة الأمور في مثل هذا الحال.
وولاة الأمور ما سلطوا على الناس إلا بسبب ذنوبهم ومعاصيهم، فعليهم أن يتوبوا إلى الله، فقد يكون جور الولاة تأديباً للفسقة، وامتحاناً وابتلاء للصالحين، ورفعاً لدرجاتهم، مثل المصائب والنكبات، والأمراض والأسقام، يكفر الله بها السيئات، فإذا أراد الناس أن يصلح الله لهم ولاة أمورهم فليصلحوا أحوالهم، وليتوبوا إلى ربهم، ولهذا قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ويرى أصحاب الحديث وأهل السنة الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلاة خلف كل إمام براً كان أو فاجراً) والمراد بالإمام: إمام المسلمين، وولي أمرهم، ويقوم مقامه رئيس الدولة أو الجمهورية أو الملك أو الأمير.
(براً كان أو فاجراً) أي: تقياً كان أو عاصياً.
ومعنى قوله: (ويرون جهاد الكفرة معه، وإن كانوا جورة فجرة) أي: إذا أراد ولي الأمر أن يقاتل الكفار وعقد راية فعلى الناس أن يقاتلوا معه ولو كان فاجراً، أو جائراً أو ظالماً.
فمن عقيدة أهل السنة والجماعة جهاد الكفرة مع ولاة الأمور وإن كانوا جورة فجرة، أي: جائرين، ظالمين وعاصين.
والحج والجهاد فرضان يتعلقان بالسفر، ولابد ممن يقوم بهما ويقاتل العدو، وهذا يحصل بالإمام الفاجر، كما يحصل بالإمام البر، ولهذا فإن عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يجاهدون ويصلون خلف الإمام ولو كان جائراً ظالماً، ما دام أنه لم يكفر.
وقوله: (ويرون الدعاء لهم بالصلاح والتوفيق، وبسط العدل في الرعية) فأهل السنة والجماعة يدعون لهم، ولهذا جاء عن الفضيل بن عياض أنه قال: لو أن لي دعوة صالحة لصرفتها للسلطان، لأن بصلاحه تصلح الرعية.
فيرون الدعاء لهم بالإصلاح، لأنهم إذا صلحوا صلحت الرعية.
قوله: (ولا يرون الخروج عليهم بالسيف) أي: لا يجوز الخروج عليهم بالسيف، والذين يخرجون على ولاة الأمور بالسيف هم أهل البدع.
قوله: (وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف) أي: أهل السنة والجماعة لا يخرجون على ولي الأمر بالسيف، ولو كانوا يرون أنهم عدلوا عن الحق، ومالوا وجاروا، فإن عليهم أن يصبروا على ذلك، والذين يرون الخروج على ولاة الأمور هم أهل البدع كالخوارج، فالخوارج يخرجون على ولاة الأمور بالمعاصي؛ لأنهم يرون أن الإنسان إذا فعل معصية كبيرة فقد كفر، وحل دمه وماله، وهو مخلد في النار.
وكذلك المعتزلة يرون الخروج على ولي الأمر بالمعاصي، وهذا أصل من أصولهم، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فستروا تحت الأمر بالمعروف إلزام الناس باجتهاداتهم، وستروا تحت النهي عن المنكر الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي.
وكذلك الرافضة يرون الخروج على ولي الأمر؛ لأنها لا تصح الإمامة إلا للإمام المعصوم عندهم، وهو أحد الأئمة الاثنا عشر.
والخلاصة: أن الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي هو مذهب أهل البدع، كالخوارج والمعتزلة والروافض، أما أهل السنة فلا يخرجون على ولي الأمر، ولو ارتكب الكبائر بشرب الخمر، أو قتل أحداً بغير حق، أو أخذ ماله بغير حق، أو لم يوزع المال توزيعاً عادلاً، فلا يجوز الخروج عليه، بل الواجب الصبر، وبذل النصيحة.
وقوله: (ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل).
الفئة الباغية: هي جماعة من الناس يخرجون على ولي الأمر وتكون لهم شوكة، فهؤلاء إذا خرجوا للقتال فعلى ولي الأمر أن يرسل لهم من يناقشهم ويبحث معهم عن سبب خروجهم، فإن كان سبب خروجهم هو إنتشار المعاصي في البلاد وجب عليه أن يغير المعاصي حتى يرجعوا، فإن رجعوا وإلا قاتلهم، والناس يقاتلون معه؛ لأن هؤلاء أرادوا أن يشقوا عصا الطاعة ويفرقوا كلمة المسلمين.